[email protected]
يغوي عالم الفن بما يحويه من الشهرة والأضواء وأحدث صيحات الموضة والتجميل قطاعات واسعة من الجماهير، لذا من الطبيعي أن يجدوا ضالتهم في هوليوود ويرووا تعطشهم عبر متابعة مناسبتها السنوية الكبرى، حفل توزيع جوائز الأوسكار، بكل تفاصيله المهم منها كما التافه، علما أن معايير الأهمية والتفاهة في هذه الليلة أمر نسبي يختلف باختلاف الأهواء والهوايات.
فهناك من يترقب أسماء الفائزين والمواقف مقابل من لا يهمه غير مظهر نجمته أو نجمه المفضلين وكل خطوة من خطواتهما، ومن يتصيد العثرات والأخطاء ليسارع للتعليق عليها عبر وسائل التواصل مثل الهفوات التنظيمية التي أربكت إعلان نتيجة أفضل فيلم أمس بين «مونلايت» و«لالا لاند»!
تجمع هذه الليلة الأثيرة نجوما طاروا بأحلام نجاحهم على بساط الخيال ليحطوا على أرض الواقع فوق سجادة حمراء يمثل العبور فوقها غاية منى أهل الفن والمشاهير، ناثرين السحر بتحركاتهم وقصصهم على مئات الملايين من المتابعين بشغف وفضول حول العالم.
تابعت كغيري مجريات حفل الأمس حتى ساعات الصباح الأولى، وما زاد من وتيرة التشويق فيه مصاحبته لأجواء سياسية صاخبة واستثنائية تلقي بظلالها على المجتمع الأميركي والعالم في أعقاب انتخاب الملياردير الشهير دونالد ترامب رئيسا لبلاد العم سام، وإطلاقه ما يعتبره كثيرون - وضمنهم أغلبية نخبة هوليوود ليبرالية النزعة - معركة شرسة ضد الحريات والإعلام والمهاجرين والأقليات.
توقع المتابعون وأنا منهم أن يضج الحفل بعبارات الهجوم والانتقادات اللاذعة وحتى النكات القاسية بحق الرئيس، لكن الوتيرة بقيت ضمن حدود العادي، وجاءت أوضح الرسائل على لسان مقدم الحفل المذيع جيمي كيميل الذي قال ان «التنوع هو ما يجعل أميركا عظيمة مجددا»، في استعارة ذكية لشعار الحملة الرئاسية لترامب تغمز من قناة الرئيس ومواقفه.
وحملت المناسبة كذلك رسائل ضمنية عديدة تمثل موقفا فيه رد على توجهات الرئيس ومنها العودة القوية للنجوم السود إلى قوائم الفوز ومنهم ماهيرشالا علي الذي أصبح أول ممثل مسلم أسود يفوز بالأوسكار عن فئة أفضل ممثل مساعد، ومنـح جائزة أفضـل فيلم لـ «مونلايت»، وهو تحفة فنية تروي تتابع مراحل حياة طفل أسود ولد في حي يشكل مرتعا للجريمة، ويطرح الفيلم قضايا حساسة منها الاتجار بالمخدرات والهوية الجنسية.
البعد السياسي تجلى أيضا عند منح جائزة أفضل أجنبي للفيلم الإيراني «البائع» الذي كان مخرجه أصغر فرهادي قد اعتذر عن عدم الحضور شخصيا بعد إبلاغه بترشيحه احتجاجا على سياسات ترامب.
وصفت بعض الوكالات العالمية حفل الأوسكار 2017 بأنه «ليلة الفشل الكبير»، لكن هذا الوصف برأيي مبالغة كبيرة، حيث لا يمكن اعتبار تظاهرة فنية بهذا الحجم والتأثير والصوت المسموع فشلا، وسيظل حفل الأوسكار حدثا مهما على رزنامة الكثيرين مهما تنوعت وتعددت أسباب هذا الاهتمام.