[email protected]
أكثر من 50 مرة كرر الرئيس الأميركي دونالد ترامب في تغريداته عبر تويتر عبارة «نيويورك تايمز الفاشلة»، والسؤال الذي يطرح نفسه: هل تستحق جريدة «فاشلة» أن يواصل رئيس أعظم دولة في العالم تذكيرنا بفشلها؟!
بعد انقضاء أكثر من شهر على توليه الإدارة لا يبدو أن ترامب قد حقق أي نجاح في محاولته تدمير سمعة الصحافة التقليدية العريقة في بلاده وهز مصداقيتها، وإن تسلح بعشرات الملايين من متابعيه عبر وسائل التواصل التي اعتبرها بديلا لنقل الحقيقة كما يقول.
على العكس تماما، يبدو أن حبال نيويورك تايمز ومعها واشنطن بوست تواصل التفافها حول إدارته وتكبيلها بالفضيحة تلو الأخرى، وبتأثير وضغط منقطعي النظير.
بضعة تقارير أعدها صحافيون محترفون في الصحيفتين استنادا إلى مصادر وصفها الرئيس أولا بـ «المختلقة والزائفة» ثم تراجع مقرا بأنها «تسريبات غير مشروعة لمعلومات سرية» أحدثت ترددات خطيرة بدأت بالإطاحة بمستشاره للأمن القومي وتحاصر حاليا وزير عدله وقد تطول آخرين مستقبلا، حاملة أبلغ رد على المشككين في فعالية الصحافة التقليدية ودورها.
وهاهي مانشيتات الصحيفتين اللتين تتسمان بالرصانة والجدية وتقارير فريقيهما توفر المادة الرئيسية لباقي وسائل الإعلام المرئية والمسموعة وكذلك المواقع والمنتديات ووسائل التواصل، وتشكل الرأي العام الأميركي والعالمي، حتى تحولت إلى ما يشبه الكابوس الذي يترقبه البيت الأبيض بقلق مع بداية كل يوم من أيام أميركا الساخنة سياسيا.
ولم ينفع ترامب سيل تغريداته المستمرة في تويتر وخطاباته المكثفة وإطلالاته التلفزيونية المتكررة في كبح جماح الصحيفتين، اللتين من الواضح أنهما قررتا عدم الاستسلام لهجومه والمضي في المعركة إلى نهايتها، ولا تزالان رغم التحديات الاقتصادية التي تواجه الصحافة توزعان يوميا مئات آلاف النسخ في نقاط البيع بالتوازي مع ازدهار نسختيهما الإلكترونيتين اللتين لا يصلهما القارئ بشكل كامل إلا عبر اشتراك مدفوع الثمن.
إن معاداة الصحافة المهنية والمؤمنة بدورها ضرب من ضروب الجنون، ومغامرة غير محسوبة يظهر جليا أنها تنطوي على كثير من الاستخفاف وسوء التقدير من رئيس أميركا التي نص تعديل دستورها الأول قبل أكثر من قرنين من الزمان على حرية الصحافة إلى جانب حرية التعبير. والواقع أن التعبير لا يمكن أن يكون حرا ما لم تتوجه صحافة دورية محترفة تمثل رقابة دائمة ومنظمة تستحق لقب «السلطة الرابعة» كما اصطلح على تسميتها.
لن يستطيع الرئيس ترامب أن يستمر في عناده وإصراره على خوض معركة أشبه ما تكون بنطح الجبل، وحبذا لو نصحه فريقه الإعلامي بمراجعة موقفه باهظ الكلفة.
بعد الأسابيع الأولى للرئيس الجديد في البيت الأبيض، يمكن القول إن صحيفتين أميركيتين تحكمان قرار واشنطن وتؤثران فيه أكثر من الرئيس.. فتحية إلى الصحافة الحاكمة!