على مدى السنوات الماضية، تابعت كمهتم بالأدب مسيرة «الجائزة العالمية للرواية العربية» والتي تعرف بـ «البوكر العربية».
تنظم الجائزة هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة وتشكل واحدة من المبادرات التي تدعمها دولة الإمارات العربية الشقيقة لتشجيع المبدعين في مجال الأدب، وليس ذلك بغريب على الإمارات التي سبقت جميع الدول العربية بأشواط في العديد من مجالات النهضة والتنمية العمرانية والاقتصادية والثقافية والعلمية وغيرها.
ما يدفعني لكتابة هذا المقال هو الحرص والنصيحة حتى لا تفقد هذه الجائزة رونقها وتغرق في التكرار والملل.
فمن يراجع قائمة الفائزين منذ 2008 يلاحظ أن نحو 70% من الروايات الفائزة تعتمد على التناص والاقتباس وإحياء شخصيات من التاريخ العربي والإسلامي بتقنيات مكررة أُشبعت تجسيدا وطرحا في الأدب العالمي وحتى العربي وسط غياب للخيال والشخصيات الجديدة والابتكار في البناء السردي حتى باتت الأعمال الفائزة، وأستثني منها ثلاثة «ترمي بشرر»، «ساق البامبو» و«الطلياني»، أشبه بمشاريع التخرج الأكاديمية حيث ما يحسم الفوز هو الالتزام بالمقرر والتقليدي والمعتاد بدلا من الإتيان بجديد.
ليس مطلوبا لأعزز فرص فوزي بالجائزة أن أستحضر «زرياب» والصراع الذي عاشه في بغداد وهجرته إلى الأندلس، ثم أرتب له لقاء بمارسيل خليفة لنستعيد معهما تاريخ آلة العود أو مع كبار مصممي الأزياء اليوم ليحدثهم «زرياب» كيف كان أول مصمم أزياء وواضع للإتيكيت في تاريخ العالم الإسلامي!
يشير سجل الفائزين إلى أن طروحات كهذه ومواضيع ماضوية اكثر حظا بالاختيار من غيرها بما يؤكد الميل العربي الدائم الى الماضي وإسباغ المثالية عليه.. ليبلغ حد «العقدة»!
وأرجو ألا يُفهم أننا ضد التاريخ والأدوات الأدبية الآنفة الذكر في استحضاره والتي استخدمها ويستخدمها احيانا كبار الأدباء العالميين، لكننا ضد ان تفوز بشكل شبه دائم كأن فن الرواية مقتصر عليها.
برأيي جائزة مثل «الجائزة العالمية للرواية العربية» يجب ان تقود وتشجع على التغيير في الكتابة واختيار الأفكار والقضايا والدفع باتجاه روايات مستلهمة من الحاضر فيها العلم والخيال والتشويق والشخصيات المبتكرة والأحداث المتخيلة أو المعاصرة بشكل مباشر ودون حاجة للاستعانة بالماضي دائما.
كفانا حديثا عن هيباتيا وفرانكشتاين وابن حزم وأبو الرؤوس وابن عربي وحنا يعقوب وآثار وليلي وسيوة و... و... ولنقدم أعمالا غير تقليدية، فقد حظي من سبق ذكرهم جميعا بما يكفي من حديث عنهم في الأدب.. أعمالا تثير حماس القارئ وتلهم الفنانين من سينمائيين ورسامين ونحاتين وتلفزيونيين ومعهم النقاد.
الأدب ليس وصفا فقط ولا بحثا تاريخيا ولا مجرد استعراض لغوي، والرواية المميزة ليست مجرد مراكمة صفحات كثيرة غارقة بالاسترجاع والاستباق بل هي بالأساس موضوع خلّاق وجاذب.
لننظر إلى الجوائز العالمية ومنها «نوبل» العريقة وكيف بدأت في السنوات الأخيرة تنوع اختياراتها لتعطينا مؤشرا على التغير الحاصل، فإذا كان كل العالم يتغير فلا يمكن للأدب أن يبقى على ما هو عليه وهو أداة من أدوات تصوير العالم.
نتمنى في الأعوام المقبلة ان نرى أعمالا مختلفة تفاجئنا وتدفع الجميع للحديث والنقاش حول الجائزة بشكل عفوي وتلقائي.
النمطية التي باتت تحيط بالجائزة تستدعي ربما إعادة النظر في معايير لجان التحكيم التي يشكك كثيرون بقدرتها على الاطلاع على كل ما يقدم من أعمال وإعطائها الوقت الكافي وتصنيفها في فترة زمنية قصيرة، والمطلوب عند اختيارها مستقبلا ان تُزوّد بشفافية بالملاحظات البناءة حول الجائزة وما يخدم تنوعها وتقدمها، إلى جانب تنظيم جلسات نقاشية لتطويرها بما يضمن ان تؤدي أهدافها على أكمل وجه.
وفي النهاية نهنئ الفائز لهذا العام الروائي محمد حسن علوان من المملكة العربية السعودية على فوزه، وقد أخبرني أصدقاء مطلعون بأن لديه أعمالا سابقة افضل من روايته الفائزة لهذه السنة، ونتطلع بعد سنوات مديدة للجائزة العالمية لـ «الرواية العربية» إلى قائمة أكثر تنوعا بموضوعاتها وصنوفها يقل فيها التاريخ ويكثر فيها الحاضر والمستقبل.
[email protected]