لم يكد السلوفاكيون يبلعون ريق الاطمئنان بأنهم لم يخسروا جراء تبديل عملتهم الكرونا الى اليورو حيث عوضتهم الحكومة بأعلى صرف سعر لليورو مقابل الكرونا حتى فوجئوا بان عليهم ان يدفعوا من جيوبهم وليس جيب الحكومة مخصصات إنقاذ الاقتصاد اليوناني، فأدركوا ان هذا قدرهم المحتوم وان كان مؤجلا، لكنهم الآن أكثر وجلا ورعبا يضعون أيديهم على قلوبهم ويحصون ما في جيوبهم وهم يستشعرون أزمة مالية جديدة طاحنة تلوح في الأفق تبشر بها وسائل الإعلام الأوروبية والمحللون، بطلتاها اسبانيا والبرتغال، ويضيف البعض إليهما ايطاليا وايرلندا. طبعا هذه المصائب لا تخص دولها فقط وانما تعم دولا اخرى لها استثمارات ومصالح وعلاقات اقتصادية في تلك البلدان مع البنوك والشركات، لكننا لم نسمع حتى الآن من حكومتنا او مؤسساتنا الاقتصادية حجم التأثير الذي سيصيب استثماراتنا في تلك البلدان خاصة اسبانيا وايطاليا رغم ان الإعلام الغربي المكتوب والمسموع يطرق هذا الموضوع كل يوم بالتحليل او التنويه والتحذير، فما استعداداتنا يا ترى وما الاجراءات الاحترازية التي قامت بها الكويت لتلافي خسائر كبيرة حتمية قادمة؟!
وعودة الى ازمة اليونان فقد أرجعت خسائر الاقتصاد اليوناني الى الطريقة التي تعاملت بها اليونان مع اقتصادها فالقروض الكبيرة وعدم القيام بالاصلاحات الاقتصادية المطلوبة والاسراف الباذخ في الانفاق وعدم إحكام السيطرة على نظام الضرائب والتساهل في تحصيل مستحقات الدولة كانت الأسباب التي أدت الى وقوع تلك الازمة الخانقة في ذلك البلد ذي الموارد الاقتصادية المتعددة من سياحة الى زراعة وصناعة وعقار، واليونان بلد ديموقراطي ذو برلمان منتخب ما يعني ان موازنة الدولة تناقش داخل برلمانها ولديها ولاشك رجال اقتصاد من الطراز الاول لكنها مع ذلك تغرق برمتها في أتون مشكلة اقتصادية، وأنا هنا أضع يدي على قلبي وأنا أشاهد ميزانيات بلدي المليارية تناقش في جلسة واحدة في مجلس الامة تحت ظل وإلحاح العطلة الصيفية. فهل مناقشاتنا تختلف عن مناقشات البرلمان اليوناني مثلا؟ وإني هنا أطالب بمزيد من التمحيص والمراجعة والنقاش والتحليل للميزانية العامة داخل وخارج البرلمان كي لا نقع فيما وقع فيه الإغريق ولقد شاهدنا كيف تسبب الانفاق غير المبرر في دبي لاحداث نهضة عمران ذات عائد قليل في وقوع تلك الامارة في براثن الديون فأوشكت على الافلاس، فهل نحن سائرون على نفس المنوال؟ أرجو الا نكون كذلك ولكن وبنظرة الى المشروعات القائمة والمستقبلية نجد الاسراف في الانفاق لسبب او لآخر مع عدم استغلال ما أنجز منها يبشر بأننا لا ريب متجهون الى ازمة من نوع ما، ان لم نتدارك أنفسنا ونراجع عقودنا ومشروعاتنا وإلا فهل يعقل ان تبلغ تكلفة طريق طوله 11 كيلومترا فقط اكثر من ربع مليار دينار لينجز في 5 أعوام بمعنى ان المقاول سوف «يأخذ راحته» ولن يضغط الوقت لينجزه في وقت قصير.
لقد أحسنت دول العملة الخليجية الموحدة حينما أحالت مشروع تلك العملة لمزيد من الدراسة على ضوء أزمة اليونان ونأمل الا تكون أغفلت الأزمة القادمة.
[email protected]