في الشهر الماضي أقيم في لبنان مشروع للاهتمام باللغة العربية لتشجيع الناشئة اللبنانيين على الاهتمام باللغة العربية بعدما أوشكت هذه اللغة على الضياع كما أعلن، وكم نحن بحاجة إلى مشروع كهذا في الكويت وكم تمنيت أن يتم التنسيق مع ذوي الشأن في الكويت لتنظيم تلك المبادرة هنا بالرغم من أننا لا نعرف حقيقة ماذا كان نصيب ذلك المشروع من النجاح في لبنان حيث إن المفارقة أن تكون لغة الحديث في بعض محطات التلفزيون اللبناني هي العامية حتى في نشرات الأخبار، وهنا موطن الضعف في مبادرات كهذه ليس في لبنان فقط وإنما حتى في الكويت، فالمشاريع البناءة التي تنطلق، غالبا، ما تفتقر لعنصر التكامل بينها وبين الأنشطة او البرامج الأخرى فتبدو وكأنها سباحة عكس التيار، ويبقى المتحمسون هم فقط القائمون على تلك المبادرات والمشاريع. إنه وضع فعلا محير، ليس أدل على ذلك من عدم تكرار المحاولات تلك مرة أخرى ما يؤشر لعدم نجاح تلك الأفكار لانعدام التنسيق مع ما هو قائم من سلوكيات ليعكس ضعف الإيمان بها من قبل الفئات الأخرى في المجتمع، وهذا يدعو إلى التفكير الجدي في تحديد الفئة المستهدفة من تلك المبادرات، أولا (إضافة إلى تحديد هدف تلك المبادرات) ومن ثم البحث عن المقومات التي تساعد على تحقيق النجاح عبر العمل على تبني الفئات الأخرى للفكرة المطروحة وتطبيقها فيتوافر لها الدعم والمساندة فلا معنى لأن ندعو للحفاظ على اللغة العربية في حين نستخدم كلمات غير عربية أو عامية فإن ذلك كمن يطلب من الناس عدم التدخين في حين يجهر هو بالتدخين أمام الجميع.
في مقال آخر أشرت إلى محنة اللغة العربية في الكويت خاصة، حيث ترى مجموعات واسعة من شبابنا وكأنها محرجة وهي تتحدث لغتنا الجميلة فتهجرها إلى لغة أخرى أجنبية أو تستعمل كلمات منها من غير داع لإيهام أنفسهم قبل المستمع بأنهم عصريون ويسايرون التطور ولا أدري ما علاقة التطور والتقدم باستعمال اللغة. تعلم لغة أجنبية والتحدث بها شيء جميل جدا ومطلوب أيضا، لكن أن يتم التنكر للغتنا بدعوى التطور هو جهل وتأخر وعلامة على شعور بالنقص، لذا فعلى المختصين والمعنيين ورجال التربية التصدي الجاد لذلك وتقويمه، ولعل المرء يعجب من كثرة الرجال والنساء من كهول الكويتيين الذين يعرفون بل يجيدون اللغة الانجليزية ولكنهم لا يستعملونها مع اقرانهم العرب كويتيين او غيرهم وانما فقط مع غير العرب فما بال بعض شبابنا لا يجدون غضاضة من اقحام الانجليزية في احاديثهم وكأن المعنى لا يتم الا بهذه الطريقة وهم قادرون تماما على ايصال ابلغ المعاني وافصحها عبر التحدث بلغة عربية يجيدونها تماما.
أقول ذلك وتترآى في عيني صورة تلك المذيعة التلفزيونية التي تتمايل طربا وكأن الأرض لا تسعها لأنها تقول جملتين باللغة الإنجليزية في مقابل جملة عربية من غير داع وعلى شاشة كويتية عربية أصيلة. فالحمد لله الذي ملأ بعض النفوس ثقة واستقرارا ونزع من بعض العقول اتزانها وأصالتها لتلهث خلف الغريم الغربي الذي لا يقوم بامثال ذلك التصرف بل يحافظ على أصالته والتمسك بلغته.. ولله في خلقه شؤون.
[email protected]