تنشط الحركة الفنية في شهر رمضان وبشكل خاص عبر قنوات التلفزيون الفضائية ولا أعرف بالتحديد سبب هذا التهافت على تقديم الأعمال الفنية في هذه الفترة بالذات، المهم ان يكون النشاط الفني في أوج حيويته ونشاطه خلال هذا الشهر المبارك، وليت محتوى ذلك النشاط مناسب لتلك اللهفة على المشاركة أو بالمستوى المطلوب حيث يتصف في كثير من الأحيان بالهبوط أو التهافت وهذا أمر متوقع في ظل التسابق المحموم على جذب المشاهد والذي ما فتئنا نعيشه هذه الأيام عبر إعلان كل قناة قبل شهر رمضان بأكثر من شهر عما ستعرضه على شاشتها والأسماء المشاركة لتحرز (القناة) قصب السبق في استقطاب المشاهدين، وكأن إقبال الجمهور على ما يعرض من أعمال فنية هو الهدف الأساسي من إنشاء تلك القنوات فتجدها تستذبح في دعوتهم لمتابعة ما تقدمه في هذه الفترة تحديدا. المهم في خضم تلك الفورة الفنية يبرز لنا نوعان من البرامج لهما المرتبة الأولى في الرداءة و«السفسفة» الأول هو برامج المسابقات والآخر برامج الكاميرا الخفية.
فبرامج المسابقات كشفت لنا في السابق وستكشف حتما مستقبلا مقدار الجهل الذي نعيشه من حيث عدم القدرة على الإجابة عن الأسئلة التي تدفع المذيع لان يلمح او يصرح أحيانا بالإجابة المطلوبة وعندها وبحركة مصطنعة يصرخ «مبروك انت فزت» للمشترك الذي يقفز فرحا بانجاز لا ينسب إليه. أما الأسئلة فحدّث ولا حرج عن عدم دقتها وسخافتها واعتمادها على الحظ والتخمين. أما بالنسبة للجوائز فهي الأخرى مجال للاشمئزاز ليس لنوعيتها بل لتقديمها لمن حالفه حظ التخمين وليس قدرة التفكير، فالتفكير الخلاق هو آخر ما تفكر فيه هذه النوعية من برامج المسابقات، فتخصص جوائز قيمة لا تناسب مستوى الأسئلة الهابطة مطلقا. وهذه النوعية من البرامج ضحك على العقول وتشويه لبرامج المسابقات الرصينة التي تقدمها بعض القنوات، اضافة الى انها أسلوب رخيص لجبي الأموال، ولا أعرف كيف يقبل القائمون على القنوات التلفزيونية المختلفة ان يكون المكسب الذي تجنيه القناة عبر الرسائل التلفونية أهم كثيرا من الصورة الخارجية للمجتمع.
أما برامج الكاميرا الخفيفة فهي تفتقر الى المرح والفكاهة، وتقدم كل أنواع الإساءة لضيوفها وتأبى إلا أن تحشرهم في زاوية الإحراج حتى ان تطور الموضوع لـ «الخناق» و«الهواش» لهدف واحد هو إضحاك المشاهد على تصرفات أولئك الضيوف، وان كانت غالبية تلك المواقف لا تضحك سوى أصحابها ومؤلفيها. طبعا هذا إذا استبعدنا فكرة الاصطناع في التصرف والاتفاق مع الضيوف على ما يفعلونه. وفي بعض هذه البرامج حين يشعر المقدم بان الشخصية التي أمامه لم تستفز ولم تبد ردة الفعل المتوقعة فإنه (أي المقدم) يتمادى قليلا ليجعل ضيفه يغضب لعل وعسى ان يقوم بحركة أو يقول شيئا مضحكا. ان هذه النوعية من البرامج تثير القرف والاشمئزاز وتدل على انعدام الإبداع وضحالة التأليف والإعداد، لذا أهيب بمعديها ومقدميها للاطلاع على البرامج الأجنبية المثيلة ليشاهدوا كيفية كتابة تلك البرامج بشكل لا يحرج المشاركين ولا ينتقص من قيمتهم بل يقوم على حركاتهم العفوية. لقد سئمنا برامج المسابقات أو الكاميرا «المليقة» المتخمة بارتفاع درجة الاستعلاء على الآخرين والاستخفاف بالمشاهدين وقلة احترامهم.
[email protected]