يخطئ من يظن أن «عاشوراء» قد انتهت بقتل الإمام الحسين عليه السلام فآثارها بدأت آنذاك ففيها جوانب لم يتم التطرق إليها، وهي بحاجة لمزيد من الضوء، أشير إلى بعض منها آملا أن تكون مدار بحث متعمق للكتّاب والمفكرين لما يفيدنا في بناء أنفسنا ومجتمعاتنا.
وقد طرحت «عاشوراء» مذ بداياتها الأولى جدا نوعين من أسس الاختيار، أحدهما جسده الإمام الحسين عليه السلام بقوله «رضا الله رضانا أهل البيت نصبر على بلائه فيوفينا أجور الصابرين» فما يرضاه الله يرضاه أهل البيت وما يبغضه الله يبتعدون عنه وهذا هو الدرس الأول الذي خطه الإمام الحسين بدمه حيث هناك على الطرف الآخر هدف جاهلي جسده الجيش الأموي بقوله «النار ولا العار» فمعصية الخالق لدى ذلك المعسكر أقل قيمة من سلوك يجلب العار لهم.
وبديهي حين يكون الاختيار راقيا ورساليا فما يتبعه يكون ساميا لذا بدا السمو لدى معسكر الحسين عليه السلام في كل فعل: «في الخطب وفي النصح وفي إدارة المعركة وحتى في الاختلاف» حيث قال الصحابي الجليل زهير بن القين مخاطبا جيش ابن سعد الأموي «ونحن وإياكم أبناء ملة واحدة ما لم يقع بيننا السيف» ليقابله رد جيش ابن سعد للإمام الحسين «إنما نقاتلك بغضا لأبيك». فأسس اختيار الهدف والتحرك والانسجام بينهما هي أول شي يجب أن نتعلمه من كربلاء فلا نسعى لنطبق القانون في منحى في حين نرفضه في منحى آخر.
وحملت «عاشوراء» نموذجين من أخلاق الاختلاف وأساليب المعارضة، ففي المعسكر الأموي كان السب والشتم والاتهامات والدناءة في الأخلاق والبعد عن القيم العربية الأصيلة والمبادئ الإسلامية حتى منعوا الماء عن النساء والأطفال وحرقوا خيام النساء وسيروا بنات رسول الله ونساء صحابة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اسرى تلهب ظهورهم السياط، لكن معسكر الإمام الحسين اتخذ النصح والوعظ وحسن الكلمات وعدم مبادءة الحرب بل وسقى الجيش العطشان الذي جاء لقتالهم وخيولهم. فالاختلاف والخلاف لا يوجبان أن يهبط الإنسان بمستواه وبأدواته او يسير في طريق منحرفة ليثبت حقه او ليدافع عن مواقفه، فخلق الإسلام تحتم أن يرتقي الإنسان بمسلكه حتى مع عدوه وهذا ثاني معطيات «عاشوراء». وفي عاشوراء تجلى دور المرأة بأجلى معانيه بما يجعلها فعلا شريكة للرجل في بناء المجتمع والحفاظ عليه حيث كانت زينب بنت علي بن أبي طالب صوت كربلاء الإعلامي الصادح الذي فضح كل دعاية باطلة ساقها بنو أمية وألجمت عتاتهم متسلحة بثقة لا متناهية بربها جعلتها تصمد امام أهوال يوم العاشر من محرم وما تبعه من مصائب الأسر والإهانة فلم تضعف وما انهارت ولم تتحدث كما تتحدث النساء المكلومات حتى أنها لم تخرج من خبائها يوم المعركة ولم تقم بما يصوره بعض النادبين من صراخ وعويل بل حافظت على وقارها ليكتمل وقار عاشوراء وانطلقت تنطق بلسان النبوة القوي مخاطبة يزيد بن معاوية «فكيد كيدك واسع سعيك فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا وهل رأيك إلا فند وسعيك الا بدد».
فإشراك المرأة في الحياة العامة عنصر مهم في بناء الحياة أما إعدادها لذلك فلا يقل عن إعداد الرجل لحمل مسؤولية الإصلاح ومحاسبة المتجاوزين ولتكن المرأة على مستوى الحدث كما على الرجل أن يرتقي إلى تلك الدرجة على حد سواء.
هذه جوانب وغيرها كثير لم تأخذ حقها من النقاش والمعالجة في الكتابات والمنتديات التي تقام من اجل عاشوراء وما أحوجنا فعلا للتفكير فيها علنا نرتقي بأسلوب التعامل مع خصومنا دونما اتهامات بالعمالة أو الانبطاح لمجرد أنهم لا يرون رأينا ولا نصم غيرنا بوصمة إعلام فاسد لمجرد انه اعترض على أسلوب تصرفنا فعاشوراء منهل نبوي لإدارة الخلاف والاختلاف وتسجيل النصر لا يقف عند عصر ولا يخص فئة وعندها تتجلى حكمة القول «كل ارض كربلاء وكل يوم عاشوراء».
[email protected]