في أزماتنا السياسية والاجتماعية يتحنط إعلامنا المحلي في قالب واحد، معالمه التسابق لتغطية الندوات وإبراز التصريحات وإجراء اللقاءات للحديث عما يدور في الساحة، أما الذهاب إلى أبعد من ذلك مثل تناول الأزمات من منظور تاريخي لبيان بداياتها وكيفية نشوئها ومراحل تطورها حتى وصلت لما وصلت إليه أو تتبع شخوصها من حيث أداؤهم وسبب تباينهم لموقفهم الحالي وطرق تصعيدهم للمواقف وأسلوب تعاطيهم الشأن العام وتغير مواقفهم فهذا مما لا يطرح بتاتا كما يغيب عن المشهد استطلاعات الرأي وتحليل الانعكاسات والتبعات وسماع وجهات نظر مختلف شرائح المجتمع وقطاعاته.
فما يعرض للناس هو فقط طرف من جبل المشكلات في حين تكون أساساته وكيانه مغمورة في بحر الغموض والتجاهل فتضيع على جموع المشاهدين والمتأثرين رؤية الحقيقة الكاملة التي تعينهم على اتخاذ المواقف الصحيحة أو تقييم الآراء المطروحة وبذلك تبقى الحناجر الفولاذية فقط سيدة المواقف ويكون الصوت الأعلى هو الموجه للأحداث. هذا الإعلام وهذا التعاطي الإعلامي مع الأزمات هما أهم وسائل التضليل والتجهيل على افتراض حسن النية بمن يقف خلفهما لكن المصيبة تكون أدهى إن كان هذا اللون من التعامل الإعلامي نتاج تبن مع سبق الإصرار والترصد لمواقف بعض أطراف الأزمات والدفع بها لتكون هي الواجهة. من حق الإعلام طبعا أن يبحث عن الرأي والموقف عبر لقاءات مع بعض السياسيين أو تغطية لبعض الفعاليات السياسية لكن ذلك ليس هو الأسلوب الوحيد في تناول الأحداث ولا يجوز أن يكون هو النمط الأوحد، فدور الإعلام ليس فقط عرض ما يحدث بل عليه ايضا مسؤولية الارتقاء بالفهم السياسي للمجتمع بالبحث عن الحقائق وإبرازها، وهذا لن يتم بالاقتصار على النموذج الوحيد الحالي من الأداء والتفاعل المتبع في جميع وسائل الإعلام الكويتية إبان الأحداث الساخنة.
ودلالة ذلك ان الإعلام الكويتي مازال يحبو وان أمامه مشوارا طويلا ليقطعه كي يستطيع وبشكل ايجابي بناء أن يدير أزمة أو يتعامل مع حدث مهما قيل فيه من مدح فطرق تغطية الأحداث وتناول الأزمات مازالت تسير بوتيرة واحدة في الشكل مع فقر شديد في النوع بما لا يساعد على إماطة اللثام عن حقيقة الأحداث وأبعادها فتكون اللقاءات التي تجريها وسائل الإعلام «وهذه صفة ثالثة للإعلام الكويتي» أسيرة لما تقوله الشخصيات المستضافة نتيجة لافتقاد مهارة المحاورة لدى المستضيفين وضحالة ثقافتهم السياسية بما يكشف الوجه الحقيقي للازمات أو يبرز المكنون المستور خاصة عندما يكون مقدمو تلك البرامج غير منتمين لأي من وجهات النظر المتنازعة.
إن الإمكانيات المتاحة للإعلام في الكويت وكمية الحرية المتوافرة له تفوق بكثير القدرات العاملة فيه لكن هذا الإعلام لا يمكن أن يخلق مجتمعا واعيا ولا يستطيع أن يكون رأيا عاما مستنيرا بل سيكون عبئا على الإعلام نفسه إن حاول أن يقوم بذلك الدور وذلك بسبب ترسيخ أسلوب مجاراة الأحداث والانغماس فيها بمعنى لبس أثوابها والانطلاق في خطاها، طبعا توجد لدينا بعض الإضاءات الإعلامية والمبادرات المتميزة لكنها لا تكفي ولعل الوقت قد أزف كي يلتفت المسؤولون عن الإعلام في بلدي لكيفية تغطية وسائلهم ومحطاتهم وصحافتهم وقنواتهم للأحداث كي لا يكونوا جزءا منها (الأحداث)، وأحد عواملها بل ليكونوا عاملا مؤثرا في مجرياتها واتخاذ المواقف منها وحينها يحسب لهذا الإعلام ودوره ألف حساب وحساب ولا يجدي نعته بـ«الإعلام الفاسد».
[email protected]