البيانات الإعلامية التي أصدرتها بعض القبائل عمل محمود ولاشك ويصب في خانة التصدي للتمترس خلف القبيلة لتخريب مسيرة الوطن أو شق وحدة الصف الوطني، خاصة ان هناك من حاول ـ ولايزال ـ تصوير الخلاف السياسي على أنه انتقام من أبناء القبائل أو احتقارها، فلابد أن نفرق بين القبيلة والأفراد فإن أحسن فرد من الأفراد كائنا من كان أصله أو انتماؤه أو أساء، فإنما أحسن أو أساء لنفسه لا غير خاصة حينما يكون ذلك الفرد شخصا عاديا سواء كان عضوا في النسيج القبلي أو فردا في الكيان الاجتماعي. وتبقى القبيلة كما هي العائلة في منأى عن سلوكه وبريئة كل البراءة من أفعاله ومواقفه.
هذا هو منطق القرآن وهذا هو منطق العقل، ولذا يمكن النظر إلى محاولة الزج بالقبيلة أو القبائل في أتون الصراعات السياسية على أنها محاولات مكشوفة لتوسيع الصراع ليس إلا ولإذكاء نار العداوة بين أبناء المجتمع ومن ثم للاحتماء بالقبيلة التي ينتمي لها مفجرو الصراع، خاصة حينما يشعر الفاعلون بخسارتهم، ومن هنا لابد ان نشيد برؤساء القبائل وشيوخها وهم ينأون بأنفسهم وبقبائلهم عن تلك المحاولات الفجة والخطيرة حتى وان لم يكونوا راضين عن الفعل أو الانجاز الحكومي.
لكن يبدو أن رؤساء القبائل يواجهون بعض محاولات التمرد والعصيان من داخل قبائلهم وإلا ما معنى أن يقوم بعض الأفراد من بعض القبائل بإقامة حفلات التكريم وتبادل الهدايا مع بعض النواب الداعين للاستجواب وعدم التعاون مع رئيس الحكومة في الوقت الذي يصدر شيوخ قبائلهم بيانات الطاعة وشجب الاستجواب وعدم التعاون.
لقد اشتعلت حرب التصعيد الكلامي حتى بات المشاهد يتصور فعلا ان المجتمع منقسم على نفسه مابين قبائل معتدى عليها وحضر فاز بكل الميزات والفوائد، في حين أن حقيقة الأمر إن هناك من أبناء الحضر من يعيش معاناة يومية في معاشه تماما كما هو الحال في بعض أبناء القبائل.
إن الحقيقة التي لا ريب فيها ان الحكومة قد سحبت بساط الميزات والتفضيل من تحت أقدام بعض الأفراد فأعلنوها حربا على الحكومة وعمدوا بخبث او ذكاء إلى إظهار الوضع وكأنه نيل من مكانة وقيمة القبائل في محاولة ماكرة لزيادة الضغط على الحكومة لإعادة مجدهم المفقود لكن الحكومة بكل شجاعة وقفت في وجوههم كما سجلت القبائل موقفا لا يقل شجاعة عن موقف الحكومة بالتنصل من تلك المحاولات ولإبقاء القبائل مكونا اجتماعا لا غير وليس مركزا يدير الصراع مع الوطن.
من هنا فاننا ندعو أمراء القبائل الكرام وشيوخها لاستمرار التصدي لمحاولات التشرذم التي يجيد البعض ممارستها تحت ستار القبيلة وان تفرض القبيلة (كل قبيلة) ثقافة المواطنة والانتماء لمجتمع الكويت الكبير والواسع واتباع القانون في كل وقت وحال كما ندعو الحكومة لتكون مسطرتها قانونية لا محاباة فيها ولا تفضيل إلا بما يستوجبه الالتزام بالقانون.
لقد قامت الكويت وازدهرت وجابت سفنها قديما بحار العالم واتصلت بكل القوميات والجنسيات وهي تحمل في تلك الابوام (السفن) ابن القبيلة وإلى جانبه ابن الحضر، فقد وحدتهم طبيعة الحياة آنذاك فما بال الحياة اليوم تفرقهم؟ إن الحقيقة أن الحياة لم تفرق الكويتيين يوما لكن المصالح هي التي تقوم بتقسيم وتمزيق المجتمع وسلاحها في ذلك منطق اعوج وان استند الى شهادة عليا وحنجرة لا تكل ولا تتعب وصوت قوي يجعل الكلمات مطية طيعة له.
[email protected]