تكونت لدي قناعة الآن مفادها بأن إصرار بعض الإسلاميين على تعيين خريجي كلية الشريعة في وظائف التحقيق ووكلاء النيابة، هو فقط لإيجاد موطئ قدم لتلك المجموعات في الجسم القضائي بما يحقق لهم ولأتباعهم فائدة أو مراكز قوى، وإلا فما علاقة كلية الشريعة ومناهجها بالعمل في القضاء من تحقيق أو فصل في منازعات؟ فالطالب في هذه الكلية لا يدرس القانون مطلقا وإنما دراسته شرعية وفي مجالات الفقه والشريعة والتفسير والسنة والسيرة وما يتعلق بها.
نظرة فاحصة في متطلبات التخرج من هذه الكلية بمختلف تخصصاتها يدل على صحة ما أقول، في حين أن التحقيق والقضاء يتطلبان المعرفة التامة بقوانين الدولة وشروحها وأصولها وقواعد الإجراءات وطرق التقاضي وأساليب التحقيق والاستنباط القانوني، وغير ذلك مما يتعلق بالعمل بالسلطة القضائية للقانون والترافع القانوني، وهذه كلها غير متاحة وليست متوافرة لدى طلبة كلية الشريعة، الأمر الذي يجعلهم غير مؤهلين للعمل في السلطة القضائية بكل درجاتها.
ولعل هذا التفاوت في المعرفة هو ما يفسر سبب شكوى بعض الناس من بعض المحققين بشكل خاص الذين يستندون إلى فهمهم الشخصي في إتمام مجريات التحقيق أو إصدار أوامرهم في بعض القضايا بشكل لا ينسجم معه لا نصا ولا روحا، وان كنا نعجب فالعجب هو لديوان الخدمة المدنية وكذلك وزارة العدل وهما يعينان خريجي كلية الشريعة بوظائف تتطلب معرفة خاصة وشاملة بالقانون ولا يعفيهما من المسؤولية قوة حناجر المطالبين بذلك.
فلا مجال لمقاربة التخصصين مع بعض مطلقا لا من حيث المواد المدروسة ولا من حيث طبيعة العمل، ولو أرادت الحكومة بإخلاص الارتقاء بالتحقيق بمختلف درجاته فعليها إذن أن توقف تعيين خريجي الشريعة في وظائف تعتمد على الإجازة في القانون وتحتاج إلى مؤهلين في الأمور القانونية، كون أولئك الخريجين (خريجي الشريعة) غير ذوي اختصاص بالأمور القانونية، فمكانهم المساجد ومنابر التوعية والنصح ومراكز الفتوى ومؤسسات البحث الشرعي أولى بهم وأحوج إلى خدماتهم بدلا من استقدام المتخصصين في هذه الأمور من خارج البلاد في حين تزخر البلاد بأقرانهم من المواطنين الخريجين.
[email protected]