أيام قليلة وتفد إلينا ذكرى عاشوراء بكل عظمة وإجلال، وكيف لا تكون كذلك وصاحبها وبطلها ريحانة رسول الله وسبطه ووريثه الذي قال فيه «حسين مني وأنا من حسين».
تأتي هذه الذكرى الحزينة المؤلمة فيتنازعها المسلمون قسم يوليها ما تستحق من إكبار واحترام وقسم يتخذها منبرا للنبز والطعن والقذف والتكفير، قسم يراها من أيام الله فيدعو باقي المسلمين للتعرف على طرق الجهاد المشروع وأساليب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ونماذج الخلق الرفيع والاحتفاء بالقدوة الصالحة، وقسم يراها وجها من وجوه الشرك فيهاجمها ويهاجم من يقيمها ويتهمهم زورا وبطلانا فيدعو الى محاربتها والتضييق على إقامتها والتنكيل بمن يحييها بشتى الطرق وأقذع الوسائل.
ذكرى أجبرت عقول المفكرين من كل الملل والنحل على الركوع في محراب قدسيتها لنبل هدفها الذي أعلنه الإمام الحسين سلام الله وبركاته عليه وعلى أصحابه وأهل بيته وسجدت الألباب لرقي أساليب مفجرها وبطلها.
هذه الذكرى لم يجد فيها المسلمون إلا جانب التشفي والبغض والاتهام، فيا أمة ضحكت من جهلها الأمم.
واني ومن اجل الحفاظ على نبل مقصد ورسالة هذه الذكرى أدعو كل من يحييها إلى الارتقاء بأساليب إحيائها، فلم يقتل الحسين كي نقيم مجالس الأكل لبطون منتفخة متخمة لا حاجة لها لمزيد من الطعام وإن كان لا بد فليكن ذلك الإطعام داخل المجالس والمجتمعات تكاد اللقمة النافعة تكون لهم حسرة داخل الكويت أو خارجها وما أكثرها بدلا من تلك الزحمة التي يسببها توزيع الطعام والشراب على أناس شبعى، بل وتطور الأمر لنجد بعض الفتيات يقمن بتلك التوزيعات وهذا بكل تأكيد خارج أهداف نهضة عاشوراء.
كما أدعو محبي الإمام الحسين سلام الله عليه إلى عدم مسخ الثورة الجبارة في طقوس أو مظاهر لا معنى لها كتلطيخ السيارات بطين لا نعلم مصدره ونوعه، فليس كل شيء يصلح لنطلق عليه اسم الإمام، ولا يجوز أن نحول جهاده إلى أفعال تروق لنا حتى وإن انعدم محتواها المعنوي أو الرسالي أو الأخلاقي.
عاشوراء قامت لمناطحة الفكر بالفكر وقرع الحجة بالحجة وتركيز أخلاق النبوة مقابل أخلاق الجاهلية، فلم يرد في صدر الإسلام أن منع المسلمون الماء عن محاربيهم أيا كانت عقيدتهم أو ضلالهم وما عمله جيش ابن سعد هو منع الماء عن معسكر الامام الحسين وعياله وأطفاله حتى بعد المعركة، فأي جاهلية هذه وأي ثورة جاءت لتنقض هذا الخلق البائس.
فلنرتقي جمهورا ومستمعين ومسؤولين وحكومة وأفرادا بتعاطينا مع الذكرى وإحيائها فتلك أقوال الحسين وأفعاله وأساليبه هي الرسالة التي تركزها مجالس عاشوراء في نفوس المستمعين.
أما من في قلبه مرض فلنتركه يعيش في مرضه حتى يقضي عليه.
[email protected]