بادئ ذي بدء لا بد من التشديد على ان الحديث هنا هو ليس عن مجلس الأمة كله ككيان قائم ومؤسسة لها رئيس ومكتب رئاسة وإجراءات ومنهج عمل ولائحة داخلية ترتب من يمثله ومن يصرح باسمه، فالحديث هو عن بعض الأعضاء الذين يعشقون التصريحات ويحبون أن يكون لهم رأي في كل حدث وعمل، في كل شاردة وواردة، يطرحونه خارج المجلس حتى وان لم تستدع الضرورة.
فما أن يقوم وزير ما بعمل أو إجراء إلا وتجد عقيرة هذا البعض تنطلق من غير توقف منكرة ومولولة ومهددة وما ان ينتقد شخص ما أداء مسؤول إلا وترى بعض النواب المحسوبين عليه قبليا أو طائفيا أو حزبيا إلا وقد اطلق للسانه العنان بالدفاع عن ذلك الشخص وتهديد المنتقد والشتم أحيانا.
وفي المقابل تنطلق ألسنة أخرى بذات القوة والشدة تدافع عن تلك الإجراءات وتشيد بها، ونقع نحن بين حانة ومانة فتكون الحالة إزاء تلك التصريحات الملتهبة ضياع الحقائق وزيادة الحيرة فلا نعرف واقع الأمور بل وتنتج البلبلة وزيادة انعدام الثقة بمؤسسات الدولة وقياديها.
إننا لا نعرف حقا على أي أساس ينبري إعلاميا بعض النواب بالتأييد أو المعارضة لمواقف أو إجراءات بعض الوزراء أو بعض القياديين، لكن الذي نعرفه أن كثيرا من آرائهم التي ينبرون للإعلان عنها ذات اثر اجتماعي بالغ وخطير في نفس الوقت.
فكثير مما ينطلق على اللسان يساعد في تحزب المجتمع وتفريقه خاصة اذا كانت الأمور غير معلومة فتجد الناس ينشطرون الى مؤيد ورافض لمجرد صدور تلك الأقوال من نواب.
فضلا عما يسببه ذلك في الإساءة للأفراد والتشكيك في الذمم واتخاذ مواقف تجاههم في قت نحن نجهل واقع الأمور ودوافعها خاصة حين ترد معلومات أخرى تكذب الإجراء أو تبين صوابه، وحينها تبدو أقوال أولئك النفر من النواب مهزوزة أو غير منطقية مما يجعلنا نقول ان تلك الاستعراضات الكلامية الإعلامية التي يمارسها بعض النواب في واقعها لا تخرج عن لعبة المصالح والتحزبات.
ولا بد ان اشدد هنا اني لا اقصد بحديثي هذا تلك المداخلات التي يقوم بها الأعضاء داخل المجلس وأثناء جلساته فتلك يتم فيها التحاور مع الحكومة والأخذ والرد بما يوضح الحقيقة ويجليها وإنما الحديث هنا يتعلق بالتصريحات الصحافية والبيانات الإعلامية لبعض الأعضاء وهي للأسف لا يمكن تفسيرها إلا للضغط على الوزير ،كما ثبت دائما، لسحب خططه حتى وان كانت مصيبة ومستحقة.
فمن ينتصف لنا من أولئك الأعضاء ويطلب منهم الصمت كي لا تتمزق وحدة المجتمع اكثر مما هي عليه وكي لا يتم الطعن في الذمم بسبب أخبار غير مؤكدة أو شبهات غير ثابتة؟
لماذا لا يترك أولئك الأعضاء المحترمون أراءهم تلك لطرحها تحت قبة المجلس كي تكون هناك إجابات محددة وواضحة من الحكومة لما يثيرونه وحينها نستطيع نحن كشعب ان نعرف حقيقة الأمور ولا يبقى مجال للتسلق على ظهر الشعب للتكسب الإعلامي، فيكفينا ما نحن فيه من حيرة وضياع بسبب بعض الخلل وانعدام المسؤولية.
طبعا أنا استثني هنا تلك المواقف النيابية الإعلامية التي تدين او تنتقد او تنكر بعض الإجراءات الحكومية التي واضح انها تميل لكفة دون أخرى دون سبب واضح أو ترضية لطرف دون آخر فهنا لا غبار مطلقا على النواب ان يعلنوا معارضتهم إعلاميا وبكل وضوح من اجل إعادة التوازن لموقعه الأصلي.
فكثيرا ما ساعدت تلك التصريحات والبيانات الإعلامية النيابية في كشف وإيقاف الخلل في الأداء الحكومي وإجراءات بعض المسؤولين، لكن مثل هذه التصريحات عادة لا تحظى بتضارب الأقوال أو تناقض الرؤى وهي مما يجب مساندته ودعمه لأنها تعني بالدرجة الأولى تحصين الأداء وتنقيته من الفاسد والباطل من الإجراءات.
هذه المواقف النيابية ليست هي بيت القصيد من هذا المقال.
[email protected]