وأشرقت شمس العاشر من محرم ساطعة حارقة وكأنها أرادت أن تسجل تفاصيل ذلك اليوم الرهيب بكل دقة ووضوح حين اصطف جيشان قوام احدهما ثلة قليلة قضت ليلتها بين مصلّ وتال للقرآن ومتهجد في مناجاة استعدادا لمواجهة أهوال عاشوراء بصبر وثبات روحاني.
وجيش آخر بلغ 30 ألفا لم تختلف ليلته عن سابقتها في صخبها وعربدتها يمنون انفسهم بالقضاء على ذلك الجيش القليل ونهب نسائهم وسبيهم من دون مراعاة لحرمة أو نسب كريم، يا الله! 30 ألف ضبع في مقابل اثنين وسبعين رجلا.
ويقف الوجود بهوائه وسمائه وترابه ومائه حابسا أنفاسه ليشهد ملحمة دموية بالغة الوحشية تكالبت فيها تلك الألوف على رجل صالح ليس في الوجود ابن بنت نبي غيره ومعه نيف وسبعين مقاتلا بين طاعن في السن وحدث في العمر كل ذنبهم أنهم أرادوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومن هزأ الدهر ان من يقف على رأس محاربيه رجل كان لأبيه فضل السبق للاسلام ونصرته ومعه أيضا من حظي أبوه أو جده بمصافحة يد ذات النبي الذي يقاتلون اليوم حفيده بل فلذة كبده.
وتنجلي المعركة عن قتل تلك الثلة المجاهدة جميعا لترسل لوحة دموية عملاقة وضاءة تقول ان من يريد ان يصافح النبي في جنانه ويعانق الحور في غيطانها فعليه جهاد المحارب الباغي وليس زرع قنبلة أو فتح حزام ناسف في مجتمع مسلم مسالم آمن يمارس عبادة او يقضي أمور يومه الحياتية.
ولا تكتفي تلك الألوف من الضباع البشرية بجريمة قتل الرجال بل شملت حتى الأطفال الرضع ثم قطع رؤوسهم بل قامت بفظاعة أخرى فسحقت صدور الشهداء بخيول جامحة في همجية عفت عنها حتى نفوس أشقياء الجاهلية متنكرين لكل مبدأ إنساني فضلا عن إسلامي كتحريم المثلة ولو بكلب عقور. ومن بين تلك الصدور المطحونة صدر سيد شباب اهل الجنة الذي طالما التصق بصدر النبي الأكرم.
لكنه الحقد الجاهلي الذي سيطر على أولئك الوحوش حين صدح ناطقهم معلنا «إنما نقاتلك بغضا لأبيك» فأي مأساة ألمت بالمسلمين! تقتل الرجال وتنتهك الحرمات لا لسبب ديني وإنما بسبب حقد دفين.
ثم يأتي من سلب الله عقله وبصيرته في عصر النور والفضاء والعلم ليتهم سيد شباب اهل الجنة بأنه خرج على امام زمانه خروجا ضالا باطلا وكأن صفة سيد شباب الجنة تعطى لكل ضال جاهل والعياذ بالله.
وتتوج تلك الألوف الضالة حقدها وخساسة طبعها بالهجوم على مخيم النساء وإشعال النار فيه، فلم يجد الأطفال والنساء غير الفرار في البرية خوفا من النار فتتلقاهم سنابك الخيل وتسحق من لم تحرقه النار.
وتسلب من تسلب لتكون بنات النبي في نهاية المطاف سبايا تساق من بلد إلى بلد بكل قسوة ومهانة.
إن كربلاء مجزرة فظيعة مختلفة الأبعاد بكل الألوان تمت بوحشية تعافها حتى الحيوانات البهيمية المفترسة ضحيتها احب الناس الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فالمعزى هو النبي الكريم اولا ثم اهل بيته والأمة الإسلامية جمعاء وهي جديرة بأن تكون يوم حزن عظيم فسلام على الحسين وصحبه يوم استشهدوا ويوم يبعثون احياء فقد نصروا الإسلام بدمائهم وأوصلوه الينا حيا غضا طريا فحسبنا الله ونعم الوكيل.
[email protected]