تصدر كثير من المؤسسات الغربية تقارير سنوية عن صور انتهاكات عديدة لحقوق الإنسان في العالم العربي، دون أن تتطرق إلى نفس الانتهاكات، بل وأخطر منها أحيانا في بلاد العم سام وأوروبا المسيحية، وكأنها دول مثالية وسكانها من الملائكة، ولا أدري لماذا لا تصدر مؤسساتنا العربية تقارير مشابهة عن ممارسات تلك الدول العنصرية ضد حرية الرأي مثلا، خاصة عندما يتعلق الأمر بـ «انتقاد» الصهيونية، فأين حرية الرأي التي يزعمونها من روجيه غارودي ونعوم تشومسكي وإسرائيل شاحاك وغيرهم من مئات المنصفين، أليست مصادرة كتبهم ومنع دور النشر والمكتبات من نشرها وتداولها انتهاكا صارخ لحرية الرأي التي يهاجمون بقية دول العالم بسببها؟ نشر رسوم كاركاتورية تسيء للرسول محمد عليه الصلاة والسلام حرية فكر وحرية رأي، بينما منع «كتب» علمية لغارودي وتشومسكي مسألة فيها وجهة نظر، هكذا يفهم الغرب العنصري حرية الرأي وحرية التفكير، باتجاه واحد
من منكم سمع أو شاهد شخصا واحدا من «مدعي الليبرالية» عندنا وقف وانتقد منع نشر كتب غارودي وشاحاك وتشومسكي في الغرب؟ وفي المقابل كم مرة خرج هؤلاء المدعون في مظاهرات وانتقادات بسبب منع «مهرج» ممن يقتاتون على تصنع القضايا الإعلامية من خلال التطاول على معتقدات الملايين من المسلمين كتب غارودي وتشومسكي وشاحاك كتب علمية رزينة تقوم على الحجة والمنطق والتحليل الفلسفي العقلاني، ومع هذا تمنع ويحارب أصحابها وكل من يؤيد فكرهم، ومع هذا أيضا لا يحرك مدعو الليبرالية ساكنا ولا ينتقدون قمع الحريات في بلاد الغرب، بينما ينتفضون بسرعة البرق وبكل همة ونشاط مع كل معرض للكتاب ليوجهوا سهام نقدهم ضد الدولة وضد الدين بل وضد الطبيعة، فأين مبادئكم «الإنسانية»؟
قبل شهرين تقريبا، صدر في إسرائيل كتاب breaking the silence لمجموعة من المجندين والمجندات السابقين في الجيش الإسرائيلي، يفضحون من خلاله جرائم الصهاينة وممارسات كبار الضباط الذين يجبرون الجنود على تعذيب الفلسطينيين، ويبينون في الكتاب تشجيع الضباط الصهاينة للجنود على ممارسة أشد أنواع التعذيب ضد النساء والأطفال، لدرجة أن الامتيازات والترقيات تتحدد بناء على درجة التعذيب، فكلما مارس الجندي تعذيبا أبشع وأكثر حصل على امتيازات أكثر، ولا غرابة في ذلك من هذه العصابة، ولكن أين تقارير الغرب من منع تداول هذا الكتاب في إسرائيل التي يصفونها بالدولة الديموقراطية الوحيدة في المنطقة؟ الغرب عنصري جدا وعنصريته بغيضة إلى أبعد الحدود، فبشاعتها تكمن في تغليفها بغلاف «الإنسانية» المفترى عليها، فهذا الغرب العنصري يصبح أعمى و«أطرم» عندما تتعلق انتهاكات حقوق الإنسان ضد المسلمين والعرب، ولكنه يصبح «مفتحا» ودقيقا جدا ويحصي كل صغيرة وكبيرة لأي انتهاك يحدث في عالمنا الإسلامي والعربي. لا أقول إننا أفضل منهم ولا أدعي عدم وجود انتهاكات صارخة في بلداننا، فحالنا أبشع من أن يدافع عنه أحد، ولكن على الغرب أن يعي أنهم لا يختلفون عنا في شيء، بل هم أشد عنصرية وانتهاكا لأنهم يدعون الإنسانية ويتدخلون في شؤون بقية البلدان باسم الحرية.
[email protected]