قبل أيام انتهت جمعية الصحافيين الكويتية من إعداد مسودة أولية لميثاق شرف العمل الصحافي، وهي خطوة رائدة بلا شك ونتيجة لجهود عشرات الزملاء الصحافيين الذين شاركوا في إعدادها منذ سبتمبر الماضي بالتعاون مع مؤسسة فريدوم هاوس، وكان للزميلة د.زاهرة حرب أستاذة الإعلام في جامعة نوتنغهام البريطانية والصحافية اللبنانية النصيب الأكبر من تلك الجهود المشكورة، وقد تشرفت بالمساهمة في هذا المشروع الأخلاقي المهم والذي يأمل الجميع أن يتم إقراره من قبل مجلس إدارة جمعية الصحافيين الكويتية قريبا بعد مناقشته مع رؤساء تحرير الصحف الكويتية لما له من أثر إيجابي على المسيرة الإعلامية المتميزة في الكويت، وهي بالمناسبة ليست بدعة جديدة بقدر ما هي ضرورة نجدها في أغلب التجمعات المهنية، فميثاق الشرف لأي مهنة ما هو إلا مجموعة من القواعد والمبادئ الأخلاقية التي ينبغي أن يلتزم بها كل العاملين في مهنة ما، وليس فيها ما يقيد الحريات أو يعوق العمل، وإنما هي ضمانة للجميع تحفظ حقوق الصحافيين العاملين وكذلك حقوق الأفراد والمؤسسات الذين يشكلون المادة الإعلامية.
خلال مناقشة إحدى بنود ميثاق الشرف المتعلقة بعدم تصوير الأطفال أو كتابة أسمائهم في أي تغطية إخبارية، كنت أدافع عن بعض الاستثناءات التي أعتقد أنها تكون ضرورية أحيانا للمصلحة العامة، وذكرت للدكتورة زاهرة مثالا من قصة المصور الصحافي البريطاني الذي التقط صورة فتاة صغيرة معاقة في أحد الأحياء الهندية الفقيرة، حيث كانت الفتاة المسكينة مربوطة وهي شبه عارية على جذع شجرة، في منظر مؤلم تقشعر له الأبدان، ففي تلك القرية ـ وغيرها ـ يعتقد الناس هناك أن «المعاقين» هم مخلوقات غريبة لا تستحق الحياة، فيتم ربطهم بالأشجار ويتركون هكذا حتى الموت. إنها بشاعة وانحدار ما بعده انحدار، فكانت تلك الصورة التي نشرت على الصفحات الأولى سببا في تحرك جمعيات حقوق الإنسان والمنظمات الإنسانية لإنقاذ تلك الفتاة الصغيرة وغيرها من هذا التعذيب الوحشي. غير أن د.زاهرة دافعت بدورها عن وجهة النظر الأخرى من خلال حادثة جرت معها في لبنان، قالت إنها توجهت إلى فتاة لبنانية صغيرة كانت تعمل خادمة في احد البيوت، حيث أسيئت معاملتها بطريقة وحشية أيضا، تضيف اننا وبدافع تحريك الرأي العام والمسؤولين لحماية الأطفال قمنا بتغطية الحدث وتصوير الفتاة وهي شبه عارية في المستشفى لكشف آثار التعذيب وحرق السجائر على جسدها، ونشرت الصور واسم الفتاة واسم عائلتها وأقاربها، ولكن بعد بضعة أعوام، توجهت د.زاهرة للفتاة لمتابعة أحوالها، تقول ـ وبحسرة كبيرة ـ كنت أتحدث مع الفتاة عن الحادث وماذا حصل بعدها والفتاة صامتة لا تريد أن تتحدث، وعندما سألتها: هل أنت غاضبة لأننا نشرنا صورتك في الجريدة؟ أجابت الفتاة: نعم، لقد نشرتم صورتي وأنا عارية.
هذا نموذج واقعي لما يواجهه الصحافيون خلال عملهم، ولما تتطلبه مهنتهم من التزام أخلاقي بالدرجة الأولى فهم مؤتمنون على أسرار الناس وقضاياهم، وإذا لم تكن المبادئ الأخلاقية حاضرة دوما في أذهانهم، فإنهم سيجرحون مشاعر الآخرين وينتهكون خصوصياتهم بلا شك، ومن هنا تأتي أهمية ميثاق الشرف.
كلمة شكر كبيرة لابد أن نسجلها للزميل فيصل القناعي أمين سر جمعية الصحافيين الكويتية على جهوده الكبيرة لإنجاح هذا المشروع، فقد وعد بتبني هذا الميثاق وعرضه على رؤساء تحرير الصحف الكويتية ومناقشته مع أعضاء مجلس إدارة الجمعية وتعهد بإقراره قريبا، بل الترويج له من خلال حملة إعلامية واسعة النطاق، ونحن على ثقة بالزميل القناعي بأن يفي بهذا الالتزام.
[email protected]