أحد طلاب ثانوية لبيد بن ربيعة في منطقة الفروانية التعليمية كان يدخل للمدرسة خلسة بعد نهاية الدوام ويقوم بالكتابة على جدران المدرسة وحوائط الفصول الدراسية بين فترة وأخرى، وهو سلوك عدواني شائع عند بعض أبنائنا في هذه المرحلة العمرية (المراهقة)، وسلوك يحدث بصورة مستمرة في معظم مدارسنا الحكومية، بل وفي معظم مرافق الدولة، لا جديد في ذلك، غير أن الجديد الذي يستحق الحديث عنه هو أن هذا الطالب نفسه أصبح اليوم مسؤولا عن نظافة فصله الدراسي والمحافظة عليه مع زملائه، حيث قام هو نفسه بصبغ الفصل وتنظيفه وتزيينه باللوحات الجميلة والورود. وما بين ذلك السلوك المزعج الذي كان يقوم به عندما كان طائشا قبل أيام، وبين سلوكه الرزين والأخلاقي الذي يثير الإعجاب والفخر اليوم تقف جهود مخلصة من قبل إدارة مدرسة لبيد بن ربيعة التي استطاعت أن تتعامل مع الطلبة بحكمة وعقلانية وتفهم ونظرة تربوية ثاقبة، فتكللت تلك الجهود المباركة بالنجاح، وأصبح طلاب المدرسة يتنافسون على تنظيف فصولهم والمحافظة على ممتلكات المدرسة ومحتوياتها بدلا من إتلافها وتشويهها.
إدارة المدرسة خرجت عن التفكير النمطي السائد في معظم مدارسنا ومؤسساتنا الحكومية، إذ إن كثيرا من مدارسنا تعاني من هذه الظاهرة المزعجة، أعني الكتابة على الجدران (وأحيانا بكلمات غير لائقة)، ولكن كم مدرسة استطاعت أن تعالج هذه الظاهرة بأسلوب تربوي سليم يحدث تغييرا فعليا في سلوك التلاميذ؟ فالعملية التعليمية تستهدف أساسا إحداث تغيير ما في سلوك المتعلم ومعارفه نحو الأفضل، وما يجعل معظم الناس يشتكون من سوء النظام التعليمي في الكويت هو أنهم لا يلاحظون أي تغيير إيجابي على أبنائهم وبناتهم قبل وبعد دخول المدرسة، أو أن التغير الحادث لا يتناسب على الإطلاق مع ما يبذل من جهد ووقت ومال.
ما قامت به إدارة مدرسة لبيد بن ربيعة هو تنظيم مسابقة بين الطلبة، مسابقة لأفضل فصل، وهذا ليس جديدا بالتأكيد وليست المسابقة فقط هي سبب التغيير الايجابي في سلوك الأبناء، السبب يكمن في «القدوة» التي استطاعت إدارة المدرسة أن تستثمرها أفضل استثمار، فالمعلمون ورؤساء الأقسام وإدارة المدرسة أنفسهم شاركوا قبل أن يطلبوا من التلاميذ أي شيء، وعندما رأى الطلبة سلوك المعلمين، بادروا بدورهم وأصبحوا أكثر التزاما واحتراما ونشاطا من قبل، بل حتى بعض أولياء الأمور شاركوا في تلك الحملة التجميلية التي شهدتها المدرسة، فما هي التربية السليمة إن لم تكن في القدوة الحسنة؟!
كلمة شكر كبيرة نوجهها إلى إدارة ثانوية لبيد بن ربيعة ومعلميها على جهودهم المخلصة، وكلمة شكر كبيرة إلى طلابها المميزين الذين استطاعوا أن يثبتوا للجميع أن بإمكانهم أن يفعلوا الكثير متى ما أتيحت لهم الفرص التعليمية المناسبة، فطلابنا من أفضل الطلاب، لكن المشكلة في النظام التعليمي الذي لا يستثمر فيهم ولا يقدم لهم سوى تلقين بائس تجاوزته شعوب الأرض كافة.
[email protected]