أتابع مثل غيري مقالات الأستاذ والمفكر سامي النصف بما تحويه من فكر ورزانة، أتعلم منها الكثير وأرجو أن يتسع صدر أستاذي لرأي آخر من تلميذ صغير حول نظرته للخصخصة. تناول بو عبداللطيف موضوع الخصخصة في أكثر من مقال، بتحليل علمي وأمثلة واقعية، غير ان مطالبته المتكررة بإصلاح القطاع العام قبل بيعه للقطاع الخاص بحجة أنه لا أحد من الرأسماليين الجشعين سيشتري هذا القطاع المترهل تدعو إلى التأني وإعادة التفكير. إذ لو كانت الحكومة قادرة على إصلاح أي قطاع عام من قطاعات الدولة فما حاجتنا إذن إلى الخصخصة أساسا؟ لنأخذ الخطوط الجوية الكويتية مثالا والأستاذ سامي أكثر علما ودراية بهذه الشركة الوطنية مني ومن غيري. ألم تكن «الكويتية» من أنجح خطوط الطيران على مستوى الوطن العربي وتنافس كثيرا من الشركات العالمية، فما الذي تغير لتصبح على ما هي عليه اليوم من تراجع وادعاء بالخسارة؟! انه الفساد المقصود الذي يستهدف في النهاية جعل بيع هذه الشركة أمرا حتميا وضرورة!
كيف تراجعت «الكويتية» وأصبحت خسائرها بالملايين في الوقت الذي تبلغ قيمة تذكرة السفر فيها إلى أرقام كبيرة، في مقابل شركات طيران أخرى تبيع نفس التذكرة لنفس الرحلة بقيمة أقل من أجرة «تاكسي» ينقلك من منطقة إلى منطقة؟ قيمة تذاكر الكويتية الحكومية فقط والتي تصل إلى أرقام فلكية كفيلة بتحقيق هامش ربح كبير لهذه الشركة، فمن أين أتت الخسائر؟ انه الفساد والسرقة لا أكثر. وبالتالي ما الإصلاح الذي يدعو إليه الأستاذ سامي النصف لهذه الشركة الوطنية قبل بيعها للقطاع الخاص؟ منطقيا من خلال إبعاد اللصوص ووضع أهل الكفاءة والأمانة مكانهم، فإذا استطاعت الحكومة القيام بهذه الخطوة، وهي قادرة بالتأكيد ولكنها لا تريد، فما حاجتنا بعد ذلك لخصخصة الخطوط الجوية الكويتية؟
التصور العام للخصخصة أنه أكثر نشاطا وفاعلية وإنتاجا من القطاع الحكومي بسبب عدم وجود البيروقراطية المريضة والمحسوبية القاتلة، فالقطاع الخاص يسعى للربح بالدرجة الأولى وهو أمر لا يتحقق إلا ببذل جهود مضنية وتقديم خدمات مميزة في ظل تنافس شديد يجبره على ذلك. الآن، ما الذي يمنع شركة وطنية مثل الخطوط الجوية الكويتية من تقديم أفضل الخدمات والمنافسة القوية وهي تمتلك كل مقومات النجاح والتفوق؟ لا شيء سوى فساد الحكومة التي تدفع بهذه الشركة نحو الخسائر والفشل تمهيدا لبيعها وبيع الكويت معها. وإلا بماذا نفسر نجاح الكويتية وتفوقها في الماضي، وبماذا نفسر تفوق الخطوط الجوية القطرية مثلا وهي أقرب مثال للشركة الوطنية الناجحة رغم أنها تتبع القطاع العام وليس القطاع الخاص؟ المشكلة إذن ليست في «القطاع العام» أو هيمنة الحكومة على الخدمات والمرافق العامة بدليل وجود مئات المرافق العامة الناجحة في مختلف دول العالم، المشكلة في فساد من يدير تلك المؤسسات من المتواطئين مع لصوص المال العام، والمشكلة الأكبر أننا ندرك ذلك ولكن وصل بنا اليأس والقنوط وعدم الثقة بالحكومة إلى الدرجة التي أصبحنا نقبل بسرقة كل ثروات الوطن وتحويلها إلى عدد قليل من الرأسماليين الجشعين دون أن نكترث أو نغضب، ببساطة لأننا اخترنا عددا من النواب أصبحوا هم المهندس الأول لهذه السرقات العامة. المسألة واضحة وبديهية فنحن نعيش حالة سرقة كبرى لثروات الوطن منذ تحرير الكويت من الاحتلال العراقي، ولا علاقة لكل ما يحدث بالتحليلات العلمية لمفاهيم الخصخصة ولا بمتطلباتها، لأن دور الحكومة لم يعد كما ينص الدستور خدمة الوطن والمواطنين وتوفير حياة كريمة لهم، بل أصبح دورا يعرفه الجميع والحكومة على استعداد لفعل أي شيء وشراء أي ذمة مقابل المضي بمشروعها المنظم. ولذلك يا بوعبداللطيف القضية ليست كما تراها بمنظورك العلمي والعقلاني كما أعتقد، فهي سرقة واضحة وإذا كنت تريد أن تتم الأمور وفقا لمنظورك، فستصبح الخصخصة حينها «موت وخراب ديار»!
[email protected]