أصبحنا نعرف تقريبا نتيجة أغلب عمليات التصويت على مشاريع القوانين في مجلس الأمة قبل انعقاد الجلسة، ليس لأننا نملك حاسة سادسة أو ذكاء خارقا، وإنما ببساطة لأننا أصبحنا نعرف مواقف الحكومة ومواقف بعض النواب الموالين للحكومة أو «الوزراء بلا وزارة» بمعنى أدق. مشكلة البلد واضحة للجميع، هناك مبلغ كبير من المال نتج عن الزيادة الكبيرة في أسعار البترول خلال السنوات الماضية، وهناك من يريد الاستحواذ على أكبر قدر من هذا المال، وهناك من يريد الدفاع عن الوطن ضد المتنفذين. والمتنفذون أصبحوا أكثر تنظيما وشراسة ووقاحة أيضا، إذ لم يعد يعنيهم انتقاد أو فضائح، المهم هو الحصول على أكبر قدر من المال، ولذلك لا غرابة في أن تجد نائبا أو «وزيرا بلا وزارة» يتقلب بين مواقف متناقضة ويقف علنا ويدافع عن تصرفات الحكومة الخاطئة بلا خجل ولا مبالاة، وكأنه أحد أعضاء الحكومة بل وأكثر ولاء للحكومة من الوزراء الأصليين. والمعادلة اليوم ليست في صالح الوطن ولا المواطن بالتأكيد، فعدد الوزراء مع عدد النواب الموالين للحكومة أو «الوزراء بلا وزارة» مقابل عدد النواب الحقيقيين لا يبشر بأي خير ولا يدعو لأي تفاؤل. ولذلك أيضا نلاحظ أن الحكومة توقفت عن الادعاء بعدم التعاون والعمل على حل مجلس الأمة كما كانت تفعل، مع أن الممارسة السياسية لم تتغير عند كثير من النواب الوطنيين الذين لم يغيروا مواقفهم ويتخلوا عن دورهم في الدفاع عن مصالح الوطن، فالحكومة ذكية جدا وتعرف أن برلمانا مثل هذا لن يتكرر في تاريخ الكويت على الإطلاق، وأنها لن تحصل على نواب بمواصفات «وزراء بلا وزارة» يقومون نيابة عنها بالأعمال التي تخجل هي أن تقوم بها علنا، فعلى الأقل لاتزال حكومتنا تحتفظ بشيء من الكرامة و«المستحى» في مقابل بعض النواب الذين وصلوا إلى درجة السالب في الوقاحة واللامبالاة!
هنيئا للحكومة نجاح تكتيكاتها السياسية، فقد أثبتت حقا أنها حكومة عبقرية استطاعت خلال أشهر معدودات أن تحول بعض الأعضاء من نواب يمثلون الأمة إلى موظفين صغار و«أراجوزات» يفعلون ما يؤمرون ولا يعصون للحكومة «غمزة عين». حكومة بهذا الدهاء الخارق تستحق أن يقام لها تمثال ضخم في منتصف قاعة عبدالله السالم يحكي للأجيال القادمة عن ذكائها وقدرتها على تحويل البرلمان إلى دائرة حكومية صغيرة.
أما نحن، الشعب الغلبان فنستاهل كل ما يجري، بل وأكثر لأننا سبب هذه الانتكاسة باختيارنا أشخاصا قابلين للشراء وبلا قيم، ولأننا صدقنا بروباغندا الحكومة الذكية التي استطاعت أن تضحك علينا وتقنعنا بأن الاستجواب يعني التأزيم، والتأزيم هو سبب تعطيل المشاريع، أن سبب تردي التعليم في الكويت هو استجواب وزراء التربية إذ لن يتمكن المعلمون من التدريس في مدارسهم وهناك من يستجوب الوزير في البرلمان، فطبيعي أن يكون ترتيب أبنائنا الأخير على مستوى العالم، وأن سبب تردي الخدمات الصحية أن الأطباء والممرضين لن يستطيعوا معالجة المرضى وهناك من يستجوب وزير الصحة، فطبيعي أن ينسى الأطباء مقصا أو علبة شاش في بطون المرضى أثناء العمليات الجراحية، وأن جيش الموظفين والإدارات في وزارة الإسكان لن يتمكنوا من بناء مساكن جديدة وهناك من يستجوب وزير الإسكان، فطبيعي أن تستمر لائحة الانتظار لأعوام تلو أعوام. المشكلة إذن في الاستجواب، في الرقابة على أداء الحكومة التي لا تريد أن يراقبها أحد ولا أن يحاسبها أحد، وهذا أمر طبيعي جدا فهناك 37 مليار دينار كيف ستقبل الحكومة لأحد أن يراقبها أو يحاسبها؟ عليكم بالعافية.
[email protected]