زيد: باعتقادي أن بن لادن تفوق على الولايات المتحدة حتى الآن.
عبيد: أنت تؤيد الإرهاب وقتل الأبرياء إذن!
في هذا الحوار البسيط نموذج لإحدى المغالطات المنطقية التي نمارسها في حياتنا اليومية، والتي بسببها تتصادم معظم الحوارات وتنتهي بإساءة فهم الطرف الآخر دون أن يخرج أحد بفائدة. يسمى هذا النوع من المغالطات المنطقية باسم «مغالطة رجل القش» straw man fallacy وفيها يتم إساءة فهم كلام المتحدث واختراع كلام آخر لم يقله ومن ثم مهاجمته وكأنه قاله فعلا، فكأن الخصم هنا يصنع رجلا من القش ليسهل الانتصار عليه. زيد في ذلك الحوار لم يؤيد الإرهاب ولم يقل ان قتل الأبرياء جائز، فقط قال انه يعتقد أن بن لادن تفوق حتى الآن على أميركا. ومثال آخر: زيد: أنا مع إعطاء المرأة حقوقها السياسية. عبيد: وهل تريد أن تخرج نساؤنا عرايا في الشارع؟ مرة أخرى زيد لم يقل ذلك، عبيد اخترع كلاما من عنده وهاجم زيدا وكأنه قاله بمغالطة منطقية واضحة، وهذا النوع من المغالطات المنطقية يكثر بين السياسيين بشكل خاص.
هناك أيضا نوع آخر من المغالطات التي يكثر استخدامها في ثقافتنا، خاصة في البرامج الحوارية وتصريحات الخصوم بالصحف، المغالطة اسمها «الشخصنة» وتعتمد على الإساءة للشخص واتهامه بشخصه ـ وليس رأيه ـ ثم الإدعاء بأن رأيه غير سليم، مثلا كأن يقول زيد: الربا هو سبب الأزمة الاقتصادية العالمية، فيرد عبيد: كيف ذلك؟ أنت يا زيد لديك حساب في بنك ربوي وتتحدث عن الربا وهذا الشكل الشائع من المغالطات المنطقية يختلف عن الإساءة الشخصية في الحوار من خلال التجريح والقذف، ومع أن التجريح والإساءة الشخصية هي مظاهر غير أخلاقية وسلوك مرذول، إلا أنها ليست مغالطة منطقية بل قلة أدب، فالمقصود بالمغالطة المنطقية هو فساد الاستدلال المنطقي، عندما ينتقل شخص من مقدمات لا تؤدي بالضرورة إلى النتائج التي يصل إليها المغالط، أو التي يريد أن يصل إليها ـ عنوة، ومعظم من يسمونهم «المثقفين» في البرامج الحوارية يمارسون هذه المغالطة بأبشع صورها، يقول أحدهم حجة، فيرد الآخر عليه من خلال الطعن في صفة من صفاته الشخصية ويستنتج من ذلك أن كلامه غير صحيح (تأملوا مثلا عندما ينتقد شخص سياسة الغرب، فيقول له الخصم أنت تعيش في بريطانيا أو لديك جنسية أميركية وتتهم الغرب، وهذه مغالطة لأن جنسيته ليست جزءا من الحجة المنطقية)، وهذا النوع من المغالطات يكثر عادة عندما يتعلق الحوار بالعقائد والأفكار الراسخة، مثلا عندما يؤيد شخصا ما حقوق المرأة أو بعض السلوكيات التي يعتقد أنها من حقوق المرأة، يلجأ الخصم عادة إلى التقليل من شأنه ومحاولة وصفه بأوصاف دنيئة ووضيعة ليسهل عليه رفض كل ما يقول بعد ذلك، أن يقول له بكل بساطة بأنه «ليس رجلا» على سبيل المثال.
هناك أيضا مغالطة التصنيف، وفيها يتم تصنيف الشخص ونسبته إلى جماعة معينة تتصف بأوصاف سلبية، ثم الادعاء بأن رأيه غير سليم لأنه ينتمي إلى تلك الفئة، كأن يقول شخص إن زيدا «ماركسي» والماركسيين ملحدون لا يعترفون بوجود الله ثم يستنتج ـ بمغالطة منطقية ـ أن رأي زيد غير صحيح. وهناك أنواع عديدة من المغالطات المنطقية التي لا مجال لحصرها في مقال، مثل المغالطات العاطفية التي فيها تستخدم العواطف للوصول إلى نتائج لا تؤدي إليها المقدمات (الآراء)، فيحاول الشخص الحصول على موافقة الآخرين على رأيه بالاستعطاف وليس بالمنطق، كأن يقال: «دعهم (أي الحكومة) يسرقون بكيفهم، المهم يوزعون على المواطنين «الغلابة» شوي».. آآه آسف، هذه ليست مغالطة منطقية في الحقيقة، هذا «يأس وإحباط سببه «واقع الحال»، لأن في أعماقنا باتت تترسخ ثقافة «القرف» واليأس وعدم الاكتراث بأي خلل من كثرة المغالطات وقلة «العقل»
[email protected]