خلال إحدى زياراتها الدورية على مدن وأقاليم ألمانيا الاتحادية، لاحظت المستشارة انجيلا ميركل وجود تدن في نتائج طلبة المرحلة الابتدائية في مادة الرياضيات، ولاحظت أيضا أن هذا الضعف يتركز بصورة أكبر في المدن الشمالية، وعندما نتحدث عن المدن الشمالية لألمانيا فإننا نتحدث عن الصناعة بالتأكيد، عصب الاقتصاد الألماني. عادت ميركل إلى برلين وطلبت الاجتماع بمسؤولي التربية والتعليم، وقالت لهم: لن تعودوا لبيوتكم قبل أن تجدوا حلا لهذه المشكلة. بدأ قياديو التربية والتعليم بالبحث في أسباب المشكلة تمهيدا للوصول إلى حل، «واشتغلت المكينة الألمانية» وتوصل فريق العمل إلى حل بسيط جدا، لكني عبقري جدا ولا يخرج إلا من عقل ألماني أصلي.
اقترح المسؤولون تخصيص أحد الفصول الدراسية في كل مدرسة ليكون بمثابة مؤسسة تجارية صغيرة، وصرف للطلبة الصغار «شيكات» بمبالغ مالية صغيرة، وأعطوهم الحرية في التصرف بهذه الشيكات وعقد صفقات تجارية بسيطة، فوجد الطلبة الصغار أنفسهم في ممارسة عملية ممتعة لعمليات البيع والشراء، أي الحساب. في العام التالي قفزت نتائج هؤلاء الصغار بنسب كبيرة جدا في الرياضيات، والتي تعتبرها ألمانيا أهم العلوم كونها تمثل أساسا للهندسة وبالتالي للصناعة وبالتالي للاقتصاد الألماني. في الكويت لدينا أيضا «عباقرة» في وزارة التربية، خاصة من القيادات النسائية أمثال ميركل، ولذلك لا غرابة أن يقوم «عباقرتنا» بإلغاء كثير من المواد العلمية التي لها علاقة بصورة مباشرة بالاقتصاد وعلم الاجتماع، بل إن هناك «عباقرة» آخرين يريدون إلغاء الفلسفة على اعتبار أنها «بلا فائدة»، في الوقت الذي تقوم فيه أغلب دول العالم بتدريس الفلسفة من المرحلة الابتدائية نظرا لأهميتها في بناء شخصية الطالب وتنمية مهارات التفكير لديه. ولو سألت أي قيادي في وزارة التربية عن الهدف العام للتربية في الكويت وعلاقة ما يدرس لأبنائنا في المدارس بهذا الهدف، ستجد العجب العجاب، وتكتشف أن تعليمنا في واد والعالم في واد آخر!
في الحقيقة الدرس المستفاد من تجربة المستشارة الألمانية انجيلا ميركل باعتقادي ليس فقط في حل مشكلة الرياضيات عند طلابهم، فالأمر لا يقتصر على مشكلة التعليم في الكويت، بل يتعدى ذلك إلى طريقة عمل ميركل وإدارتها لشؤون بلادها، فكونها المستشارة الاتحادية (أي رئيسة الوزراء) لم تركن للتقارير وما ينقله لها الآخرون، وإنما تقوم بنفسها بجولات ميدانية وتلتقي الناس وتتعرف منهم على مشكلاتهم، تلتقي الطلبة في المدارس وتستمع إليهم، وتلتقي العمال في المصانع ورجال الأعمال في الشركات، هكذا تكون معرفتها بواقع بلدها. أما نحن، فكل ما نتمناه أن يتكرم علينا السادة وكلاء الوزارات والوكلاء المساعدون والمديرون بل حتى رؤساء الأقسام على الأقل بالخروج من مكاتبهم ومتابعة ما يجري في أرض الواقع، أن يستمعوا للناس ويتعرفوا على مشاكلهم ليتمكنوا من حلها بعد ذلك، بل أن يقرأوا على أقل تقدير ما يكتب في الصحف من شكاوى وهموم.
[email protected]