قال مدير إدارة التعداد والإحصاءات السكانية في الأمانة العامة للتخطيط والتنمية في مارس الماضي ان تعداد السكان في الكويت لهذا العام 2010 وصل إلى أكثر من 3.4 ملايين، منهم 1.2 مليون مواطن والبقية من الوافدين، وهذا الخلل الكبير في التركيبة السكانية ليس جديدا على الكويت ولا على دول مجلس التعاون الخليجي أيضا، والتحذيرات من استمرار هذا الوضع القلق قديمة ومتكررة، مع التأكيد على تميز بعض دول المجلس عن غيرها في اتخاذها خطوات في الاتجاه الصحيح لتجنب مخاطر هذا الخلل الكبير في التركيبة السكانية، والمشكلة الكبرى في قضية التركيبة السكانية ليست فقط في العدد، ولا في أن غالبية هذه العمالة هامشية لا تقدم للدولة ولا المجتمع أي خدمة فقط، بل المشكلة الأكبر أن غالبية هذه العمالة الوافدة هم من «العزاب»، والسبب أن قوانين الدولة والرواتب وظروف المعيشة وحتى ثقافة المجتمع كلها تقف عائقا كبيرا أمام تشجيع جلب العمالة لأسرهم، وهو خطأ فادح وتكلفته الاقتصادية باهظة فضلا عن المخاطر الأمنية والاجتماعية الأخرى.
لا أعتقد أن هناك من يختلف على حقيقة صعوبة أن يجلب العامل أسرته إلى الكويت، فلا الرواتب ولا إيجارات السكن ولا قوانين الهجرة تشجع على ذلك، وهذا يعني إما أننا لا نفهم أهمية وجود الوافدين مع أسرهم أو أن مصالح الرأسماليين الجشعين من تجار الاقامات تتعارض مع هذا التوجه، فمصالح الرأسماليين الجشعين هي التي تصنع القوانين وتحدد ما الذي يطبق وما لا يطبق منها وجود الوافد مع أسرته يعني على الجانب الاقتصادي أنه سيصرف معظم ـ إن لم يكن كل ـ دخله على معيشته ومعيشة أسرته داخل الكويت، وفي هذا تحريك لعجلة الاقتصاد، بينما الوافد الأعزب هو من يتسبب في خروج ما يزيد على 3 مليارات دينار كل عام، ووجود وافد مع أسرته يعني استقرارا اجتماعيا أكبر، وبالتالي استقرارا أمنيا للدولة وفي هذا توفير أيضا للكلفة المالية للأمن، فضلا عن مستوى كفاءة الإنتاج بالنسبة للعامل الذي يعيل أسرة مقارنة بالعامل الأعزب بسبب عامل الاستقرار النفسي والاجتماعي. ولكن لنتأمل في رواتب المعلمين الوافدين على سبيل المثال، فنلاحظ أنها لا تشجع على الإطلاق على أن يجلب المعلم زوجته وأطفاله، فالراتب بالكاد يكفي المتطلبات الأساسية للمعيشة، والتي تجبر المعلم الوافد الأعزب في أغلب الأحيان على أن يعيش بمستوى غير لائق، فتجد كل 5 أو 6 معلمين يعيشون في شقة صغيرة ما ينعكس على عطائهم بل وعلى مستوى الرضا الوظيفي، فمن الطبيعي أن يلجأوا إلى التدريس الخصوصي للخلاص من هذا الوضع المزعج. أما استغرابنا من تدني مخرجات التعليم في ظل هذه الأوضاع المزرية للمعلمين بصورة عامة والوافدين منهم بصورة خاصة فهذا من البلاهة التي اعتدنا عليها، لأن إنصاف العمالة الوافدة فائدة للكويت قبل أن يكون للعمالة نفسها، وإذا كان قدرنا أن تكون التركيبة السكانية بهذا الخلل، فمن الحكمة أن نشجع على أن يجلب الوافد أسرته مقابل التخلص من العمالة الهامشية من العزاب على أقل تقدير.
[email protected]