محمد الخالدي
سبعة عشر عاما مضت على ذكرى الاحتلال العراقي للكويت، وكأنها أمس ! ما زالت صور الخوف والرعب والدمار تمر في مخيلتي كشريط سينمائي لفيلم مرعب، ما زلت أذكر تلك الطوابير الطويلة في ساعات الفجر الأولى على محطات البنزين والمخابز الآلية من أجل كيس خبز وبضع ليترات من البنزين، ما زلت أذكر عندما خرجت من المنزل في الساعة الخامسة فجرا وعدت في الساعة السابعة مساء من أجل علبة حليب أطفال واحدة، وما زلت أذكر عندما احتجزني بعض «الأشاوس» وتناوبوا على ضربي بكل همة ونشاط بسبب دفتر ملكية السيارة المفقود، أو ربما أكون قد عطلت مسيرة تقدم جيش الطاغية المقبور نحو القدس دون أن أشعر.. من يدري !
ما زلت أذكر أسراب الشاحنات العسكرية وهي تفرغ الكويت من كل ما فيها وتنقله إلى بغداد كالجراد، وما زلت أذكر «أبطال القادسية» عندما تحولوا إلى لصوص سيارات يتسابقون على تفكيكها وحمل إطاراتها على أكتافهم فرحين بهذا الانتصار العظيم. وتلك الوجوه الشاحبة والأجسام الهزيلة «للجيش الشعبي» وهي تنهال ضربا على الأطفال والعجائز بسبب وبدون سبب، ما زلت أذكر منظر ذاك المذيع المزعج يحيي الجنود «الأشاوس» وهم يصطادون الزبيدي على شاطئ الخليج !
لا أزال أذكر الدخان الأسود الكثيف عندما كنا لا نميز الليل من النهار إلا من خلال الساعة، وتلك الخرائب التي خلفها جيش الاحتلال العراقي وهم يهربون، أو لنقل وهم في طريقهم لتحرير فلسطين، وتلك الجثث الملقاة على جانبي طريق المطلاع وحولها المسروقات لتظل شاهدا على دناءة تلك النفوس. وها هي الكويت اليوم بعد تلك التجربة المظلمة عادت من جديد كطائر العنقاء الذي يعود للميلاد من بين الرماد والخرائب، عادت جميلة كما كانت، وعادت كريمة كما كانت ونال اللصوص ما يستحقون من عقاب فأي عار ذاك الذي يسمونه «أم المعارك»!
كتب الشاعر بدر شاكر السياب في قصيدته «الأسلحة والأطفال»
حديد عتيق لموت جديد
لمن كــــل هـــذا الحـــــديد؟
لقيدٍ سيلوى على معــصمِ
ونصــل على حلمة أو وريد
وقفل على الباب دون العبيد
وناعورة لاغتـــراف الدمِ !!
حديد.. رصاص.. حديد عتيق
ليخــــــلوَ هــــذا الـــــطريق
من الضحكةِ الثرّةِ الصافية
وخفقِ الخُطى والهُتافِ الطروب
فمن يملأُ الدارَ عندَ الغروب؟
بدفءِ الضحى واخضلالِ السهوب؟
لظى الحقدِ في مقلةِ الطاغية
ورمــــضاء أنـــفاسهِ الباقية
يطوفانِ بالدارِ عندَ الغروب
وأطـــــلالها الـــــــــبالـــــــية !