ارجع الأستاذ سامي النصف في مقال سابق تحت عنوان «ما أسباب ما يحدث في المنطقة؟» السبب في قيام ثورة الياسمين المباركة في تونس وثورة الغضب في مصر وغيرها مما يجري في اليمن والأردن ولبنان من إرهاصات تنذر بثورات جديدة إلى تجاهل حكومات تلك الدول للدور الإعلامي وعدم اهتمامها بإبراز إنجازاتها، وترك المجال لما أسماه بالصحف الصفراء لتدغدغ مشاعر الجماهير وتحرضهم ضد الأنظمة الحاكمة. اتفق مع الأستاذ سامي النصف تماما حول غياب الخطاب الرسمي في تلك الدول وغيرها وعدم اهتمامها بإبراز منجزاتها، ومرد ذلك ببساطة هو عدم وجود إنجازات حقيقية يمكن أن تفاخر بها أو تتحدث عنها تلك الحكومات، كما ان اختزال عوامل قيام الثورات الشعبية المباركة في تلك الدول بهذه البساطة واعتبار أن ما يحرك الشعوب مجرد «صحف صفراء» تدغدغ مشاعرهم وتدفعهم للهلاك أمر فيه إجحاف كبير بحق هؤلاء الملايين من المسحوقين والمعدمين والجياع. بالنسبة لي المسألة أكبر من مجرد غياب للخطاب الرسمي، فهؤلاء الثوار لم يخرجوا للفرجة أو لتضييع الوقت، وإنما خرجوا بسبب الجوع والفقر والظلم والمستقبل الغامض الذي ينتظرهم، خرجوا ليغيروا هذا الواقع المزري عن وعي وقناعة وإدراك بما يحدث، خرجوا لأنهم يعرفون وبالأرقام الحقيقية مداخيل الدولة من الأموال وأين تذهب وعلى من توزع وكيف يتحول «الشحات والحافي» إلى ملياردير في سنوات قليلة لمجرد دخوله في دائرة الموالين للنظام والمدافعين عنه، خرجوا لأنهم يدركون تماما تراجع بلدانهم وانهيار مشاريعهم الكبرى التي تحققت بالتضحيات والكثير من الدماء، خرجوا لأنهم يشاهدون كل يوم كيف تقتل أحلامهم وآمالهم في الحصول على حياة كريمة يستحقونها، خرجوا لأنهم يعرفون أن الموت أهون من الفقر والجوع والنوم في المقابر و«عيشة الذل» التي يعيشونها في بلدانهم بسبب سياسات حكامهم، فالشعور بالظلم هو أكبر محرك للثورات.
اتفق مع الأستاذ سامي النصف في كثير مما قاله حول الأخطاء المعتادة والمتكررة لبعض الحكومات عندما تتجاهل الخطاب المعارض، وحول خطورة ذلك على أمن واستقرار الدولة، وهو أمر غير مستغرب من مثل هذه الأنظمة التي تعيش خارج الزمن. كما أتفق معه تماما حول فشل كثير من الثورات التي تصل أحيانا لدرجة الترحم على من سبق وتمني ظلمه على الظلم الأكبر والخراب الذي أتى بعده، ولكن هل يبرر هذا «الاحتمال» السكوت عن الظلم والنوم في العراء ببطون فارغة؟!
هذه الثورات ليست بسبب تحريض من الصحف الصفراء ولا الحمراء ولا غيرها، بل هي ثورة جياع وعرايا يموتون كل يوم ويكابدون الذل والحرمان في بلدان فيها الكثير من الثروات والموارد، وهي ثورة مثقفين وصحوة شعوب طال نومها حتى استبيحت كل حرماتها وتحولت دولهم إلى مجرد أدوات صغيرة تخدم مشاريع دول الاستعمار الجديد، ومن أبسط حقوقهم علينا ألا ننكر صحوتهم ودورهم الكبير في القضاء على الظلم والاستعباد والسخرة.
[email protected]