سيناريو 1: تقوم مجموعة بتنظيم مظاهرة سلمية في وقت ومكان محدد، يجتمعون ويهتفون ويرفعون بعض الشعارات للمطالبة ببعض الحقوق، وزارة الداخلية لا تمنعهم ولا ترسل القوات الخاصة ولا تقمعهم ولا تهددهم، وسائل الإعلام تتواجد في المكان لتغطية الحدث، فما الذي يمكن أن يحدث؟ لا شيء، سيقفون لفترة محددة ثم يذهبون وتنتهي المظاهرة بطريقة حضارية ودون عنف ولا إصابات ولا تشويه سمعة لأحد. في اليوم التالي وسائل الإعلام ستكتفي بكتابة «خبر عادي» عن المظاهرة السلمية، والكل سيشيد بالتعامل الحضاري واحترام البلد للحريات العامة وحق التظاهر والتعبير عن الرأي.
سيناريو 2: نفس المجموعة تذهب في الوقت المحدد للتظاهر ورفع الشعارات، ولكن وزارة الداخلية ترسل المئات من القوات الخاصة ورجال الأمن ومباحث أمن الدولة، شيئا فشيئا ترتفع وتيرة الأحداث ويزيد مستوى الأدرينالين وتصبح الأجواء مشحونة بالغضب والحماس والشعور بالقوة، الشرطة تبدأ بإعطائهم فترة محددة وتطلب منهم الانصراف، المتظاهرون يهتفون بأنهم لن يرحلوا قبل تحقيق مطالبهم، تزداد الأمور تعقيدا، وتصبح المسألة «تحديا» بين هيبة القانون ورجال الأمن وحقوق المتظاهرين ومطالبهم، تنتهي عادة بأعمال عنف وتكسير وسقوط ضحايا، ووسائل الإعلام ستكتب أيضا، ولكن هذه المرة سيكون أمامها «مادة إعلامية» وليس مجرد «خبر»، وستشكل هذه المادة الإعلامية موضوعا يستمر لأيام، يحرك منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام الأجنبية وتصبح البلد طوال هذه الفترة مادة للاستهلاك الإعلامي ومحط انتقاد عالمي وتوصف بأنها دولة قمعية.
العالم يشهد مظاهرات بالعشرات كل يوم، بعض الدول لا يكاد يمر عليها يوم بلا اعتصام أو مظاهرة مثل فرنسا وغيرها، ومع هذا وحدها الدول القمعية هي التي تتحول إلى مادة إعلامية وتتعرض للنقد والتشهير، فقط لأنها تلجأ دائما إلى السيناريو رقم 2 في تعاملها مع المظاهرات السلمية وتتسبب بتحولها إلى أعمال عنف وشغب. إذا كان الكل يردد بأن المظاهرات السلمية حق للناس وجزء من الحياة الديموقراطية، فلماذا لا نشاهد في عالمنا العربي سوى السيناريو رقم 2، لماذا تمتلئ شاشات التلفزيون عبر العالم بأخبار سقوط الضحايا وقمع الشرطة للمتظاهرين في عالمنا المريض؟ فإلى وزارة الداخلية، في المرات القادمة جربوا السيناريو رقم 1 وانظروا بأنفسكم كيف ستكون النتائج.
[email protected]