محمد الخالدي
قامت الكنيسة بإغلاق اكاديمية افلاطون - التي كانت رمزا وامتدادا للفلسفة الاغريقية بل وللحضارة اليونانية برمتها - في عام 529 بعد الميلاد، ومنذ ذلك الحين بدأ في اوروبا نظام رهباني استولت فيه الكنيسة على التعليم بكل مجالاته، وعلى التفسير، بل وحتى على التفكير، وغشي العالم الغربي الجهل والظلام، وأمست الحكايات الشعبية والخرافات مرتعا لكل طالب للشهرة، وحتى للعلماء أنفسهم بعد أن منعوا من تداول كتب الفلسفة وحرقوا وهم أحياء لمجرد القول برأي يخالف ما تراه الكنيسة، وأصبح مصطلح «العصور الوسطى» التي امتدت قرابة الالف عام يطلق على تلك الفترة التي قيد فيها العقل بقيود الجهل والاساطير والخرافات، ولا يزال هذا المصطلح يستخدم في الادبيات حتى يومنا هذا لوصف كل فكر متحجر لا يستند الى منطق العقل وحقائق العلم، وعلى كل ما هو تسلطي بالمعنى السلبي للكلمة.
وفي تلك الفترة المظلمة من تاريخ أوروبا اتخذ النظام التعليمي شكله المدرسي المعروف حتى يومنا هذا، فقد ازدهرت المدارس الرهبانية والاديرة والكاتدرائيات الاولى، فكانت المدارس تقام داخل الكاتدرائيات الى بدايات سنة 1200م حيث أنشئت أول جامعة بالمعنى الحديث في فرنسا وهي جامعة الســــوربون، وكانت تتبع نظام المادة التي تدرس هي التي تحدد اختيار الكلية وهو الامر القائم حتى أيامنا هذه في الدراسة الجامعية.
وفي الطرف الآخر من العالم، وفي نفس تلك الفترة كان المسلمون يعيشون أزهى عصور التقدم والثراء الحضاري والثقافي، حيث كانت توزن الكتب المؤلفة أو المترجمة بالذهب تقديرا للعلم ومكانة العلماء، وأسفرت جهود علماء المسلمين عن حفظ التراث الفكري اليوناني الذي أعيدت ترجمته وتم احياؤه من جديد بعد ذلك.
واليوم، حين ننظر في واقع العالم الاسلامي، فإننا لا نجد الا ظاهرتي الاستهلاك المادي لكل ما تنتجه الحضارة الغربية، والاجترار الثقافي لكل ما قاله الفلاسفة الغربيون، فلا انتاج ماديا ولا فكريا يرقى الى ذلك الارث الحضاري الذي أسسه المسلمون طوال أعوام طغى عليها الجهل والظلام.
والمرء يقف حائرا أمام هذا السؤال الكبير، لماذا توقّف المسلمون عن الابداع وعجزوا عن أن يخطوا الخطوة الاخيرة نحو امتلاك زمام العلم والتكنولوجيا بعد ذلك في الوقت الذي كانت جميع العوامل والوسائل مهيأة لتلك الخطوة؟!
لست معنيا في الحقيقة بهذا الامر، ولا اقصد من هذا المقال مناقشة تاريخ عفا عليه الزمان أو البحث عن اجابة يعرفها الجميع، وانما أحببت أن أطرح ما طرحت لإثارة سؤال مشابه ربما يشغل بال كثير من أهل الكويت اليوم، لماذا تراجعت الكويت وهي التي كانت مركزا واشعاعا حضاريا وثقافيا في المنطقة، وكانت مهيأة أكثر من غيرها لتكون مقصد الفكر والثقافة والاقتصاد، حتى أمسينا في حالة اجترار للماضي وندب الحال والبكاء على الاطلال؟!