مزعج جدا حديث البعض بصورة عنصرية بغيضة عن البدون، مزعج إلى درجة الانحدار والانتكاسة عن ركب الإنسانية، فهي عنصرية أبشع من عنصرية البيض ضد السود في أميركا قبل ستين عاما، وأبشع من عنصرية اليهود ضد بقية البشر، ولا أتصور أن من تحدثوا عن البدون بتلك العبارات الجارحة والمهينة بشر مثل بقية خلق الله، فضلا عن كونهم كويتيين وعربا ومسلمين. لماذا كل هذه البذاءة ولماذا كل هذه الكراهية ضد أناس يشعرون بالظلم والحرمان منذ خمسين عاما. ماذا لو لم تقف شعوب العالم الحر مع الشعب الكويتي عندما احتل جيش صدام حسين بلدنا عام 1990؟! ماذا لو لم تتخذ حكومات تلك الدول موقفها الشجاع ولم تشارك في حرب تحرير الكويت؟! ماذا لو لم يفتح لنا اخوتنا وأشقاؤنا في المملكة العربية السعودية والبحرين والامارات ومصر وغيرها قلوبهم وبيوتهم عندما وجدنا أنفسنا مشردين بين ليلة وضحاها؟! ماذا لو لم نجد من يناصرنا بوصفنا «شعبا مسالما ومحبا للخير ويحترم الحريات وحقوق الانسان ومبادئ الديموقراطية»؟! هل سيكون بيننا اليوم من يجرؤ على وصف هؤلاء المساكين المظلومين بهذه الأوصاف العنصرية البغيضة ويستكثر عليهم نيل حقوق إنسانية تمنح للحيوانات ويحرم منها بشر بالآلاف، ماذا لو كنت أيها العنصري السافر أحد هؤلاء البدون؟ فالمسألة في النهاية ليست بأيدينا ولسنا نحن من يتحكم في الخلق والميلاد، والمرء ليس أكثر من «نطفة» فلا تستكبروا وتعلوا في الأرض!
***
بالعقل والمنطق والواقع والدين والأخلاق ومبادئ حقوق الإنسان «البدون» في الكويت فئة واحدة كلهم يستحقون الجنسية والتعويض العادل عما فاتهم منذ سنين الظلم والحرمان، ومن غير المقبول اقحام «المجرمين» المزورين الذين تختلف مشكلتهم عن مشكلة البدون تماما، فالمزور الذي قام بدخول الكويت بصورة غير مشروعة وأخفى أوراقه مجرم مزور وليس «بدون»، ومشكلة هؤلاء تكمن فقط في تقصير الحكومة في ملاحقتهم ومعاقبتهم منذ البداية، بل محاسبة كل المقصرين في أداء واجبهم تجاههم. ومن يردد الحديث السمج عن وجود فئات وأصناف ومراتب للبدون ويصنف الناس ويفرزهم ويوزع الحقوق الانسانية عليهم وكأنه يتفضل عليهم فهو ظالم لنفسه قبل أن يكون ظالما لهم، فمن نحن لنصنف الناس ونقسم الحقوق التي أقرها الخالق لعباده؟ مشكلة «البدون» هي باختصار مشكلة تقصير الحكومة في منح المستحقين حقهم في المواطنة، ومشكلة المزورين الذين أساءوا للبدون قبل غيرهم هي أيضا مشكلة الحكومة التي تقاعست عن محاسبتهم منذ البداية، فلماذا يتحمل اليوم كل هؤلاء البشر وزر تقصير الحكومة وتقاعسها، والأدهى والأمر أن نجد بيننا من يقبل مع الأسف أن يتحمل «البدون» هذا الوزر دون أن تتحرك فيهم ذرة من الإنسانية والضمير!
[email protected]