ناداه من بعيد، «زميل المهنتين» أسامة دياب وقال له: «والنبي يا عم أبو أحمد تقول القصيدة اللي قلتها امبارح علشان يسمعها محمد»، فجلس الأستاذ الكبير عبدالسلام مقبول وتجمعنا حوله، وأخذ يقرأ بصوته الهادئ الرزين، قصيدة تلو أخرى ورائعة تلو أخرى.. يا لذاكرتي التالفة! ليتني أحفظ. لم أكن أعرف قبل تلك الأمسية الجميلة أن الزميل عبدالسلام مقبول يكتب الشعر، كنت أحسبه فيلسوفا يرسم الحكمة بريشة فنان كاريكاتور فحسب. غشانا الصمت ونحن نستمع إلى روائع العم أبو أحمد، وسرحت في «لحظة شرود» عشت فيها في عالمي الصغير، بعيدا عن أخبار السياسة والاقتصاد والإرهاب وسرقات «ذوي الياقات البيضاء» الجدد. في عالمي الصغير أرتب الأشياء كما أحب، وأدير الحوار كما أريد، لا حدود تستوقفني ولا قيود تمنعني. لحظة شرود أجمع فيها أشلائي وأغرق فيها في تفاصيل أحلامي وأعيش فيها إنسانيتي بلا ضجيج. لحظة شرود هي كل ما أملك «للهروب» من هذا العالم المجنون.
إلى الأستاذ عبدالسلام مقبول، شكرا على لحظات الشرود الجميلة، كم تمنيت لو أنني شاعر لأكتب لك، لكنني أبيح لنفسي أن أهديك مما كتب السياب:
ذرات غبار
تهتز وترقص في سأم
في الجو الجائش بالنغم
ذرات غبار
الحسناء المعشوقة مثل العشاق
كم جاء على الموتى، والصوت هنا باق
ليل نهار
هل ضاقت مثلي بالزمن
تقويما خط على كفن
ذرات غبار!
[email protected]