محمد الخالدي
تولى د.مهاتير محمد رئاسة وزراء بلاده عام 1981 وكانت لديه منذ البداية رؤية واضحة لما يجب أن تكون عليه ماليزيا التي كانت تعج قبل ذلك بشتى ألوان الفقر والجهل والتخلف، فوضع ما يسمى بخطة 2020 التي تقضي بأن تصبح ماليزيا بحلول عام 2020 دولة صناعية مكتملة البنيان.
وعندما نلاحظ تقارير النمو في هذا البلد خلال فترة تولي د. مهاتير محمد نجد أنها قد حققت نموا بنسبة 6.7% من سنة 1980 إلى سنة 1990، ثم نسبة نمو 1.7% من سنة 1991 إلى سنة 2000، وهنا سندرك أن هذا الرجل كان يعرف منذ البداية ماذا يريد وكيف يحقق ما يريده لبلاده.
واليوم عندما نتحدث عن ماليزيا فإننا نتحدث عن واحدة من كبرى الدول النامية التي استطاعت أن «تقفز» إلى الأمام بخطوات واثقة ومدروسة، فقد تحولت من مجرد دولة زراعية تعتمد على تصدير المواد الأولية إلى دولة صناعية متقدمة يساهم فيها قطاعا الصناعة والخدمات بحوالي 90% من إجمالي الناتج المحلي، وتبلغ صادراتها من الصناعة حوالي 85%، كما أنها تنتج 80% من السيارات التي تسير على شوارع ماليزيا، إضافة إلى كونها من أكبر مصدري الأكل الحلال إلى الدول الغربية، وعندما سئل د.مهاتير كيف استطعت أن توفق بين الإسلام ومفاهيم العالم الحديث أجاب بأنه ببساطة يفهم الإسلام بوصفه دعوة إلى التقدم والنجاح وليس العكس!
ماليزيا اليوم وبفضل جهود هذا المفكر والسياسي العملاق انخفضت فيها نسبة البطالة لتصل إلى 3% فقط، كما انخفضت نسبة الأفراد الذين يعيشون تحت خط الفقر من 52% عام 1970 إلى 5% عام 2000 ، وارتفع متوسط دخل المواطن الماليزي إلى ثلاثة أضعاف ما كان عليه قبل تولي د.مهاتير رئاسة الوزراء.
وإذا أردنا معرفة سر هذا النجاح الكبير فعلينا أن نتأمل في فكر د. مهاتير محمد الذي قال في أحد تقاريره أنه قرر منذ البداية اعتناق قيم العمل السائدة في اليابان وكوريا والتي تقوم أساسا على الانضباط الشديد والإخلاص التام للعمل والحرص على اختيار ذوي الكفاءة مسؤولين ليكونوا قدوة لموظفيهم، وهذه رؤية ثاقبة بلا شك إذ انه لم ينجرف وراء الأفكار السلبية التي تريد أن تقنعنا بأن التقدم مرتبط فقط بقيم الغرب التي لا يمكننا بلوغها!
فقد أدرك د.مهاتير أن قيم الشرق السائدة في اليابان وكوريا هي الأقرب إلى تكوين ماليزيا ويمكن من خلالها تحقيق النهضة، وأصاب.
ماليزيا التي كانت تعاني صراعات عرقية طاحنة قبل وصول د.مهاتير محمد ليست هي ماليزيا اليوم، وسر هذا التحول وهذه النهضة الجبارة التي حققتها حكومة مهاتير ليس في الثروات الطبيعية وإنما تكمن في الإنسان نفسه من خلال تغيير قيم ومفاهيم الحياة لديه، وهو أمر مرتبط بالتأكيد بالتعليم، وهي حقيقة يمكن إدراكها بسهولة من خلال متابعة تجارب النجاح في مختلف دول العالم التي استطاعت أن تحدث ذلك التغيير المطلوب في نظام التعليم مثل سنغافورة التي لا تقل فيها تجربة رئيس وزرائها «لي كون» عبقرية عن تجربة د.مهاتير محمد.
ترى كم نحتاج من الوقت كي ندرك أننا لن نتقدم ولن ننهض ببلادنا ما لم نتخذ هذه الخطوة ونحدث ذلك التغيير؟ كم نحتاج من الوقت كي تسود لدينا مفاهيم الكفاءة وقيم احترام العمل ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب؟ ما الذي ينقصنا في الكويت لكي نخطو هذه الخطوة؟
ذكرت تقارير صندوق النقد الدولي لعام 2007 أن إجمالي الناتج المحلي للكويت بلغ 97 بليون دولار، بينما بلغ لنفس العام في الإمارات العربية المتحدة 186 بليون دولار، أي الضعف تقريبا على الرغم من أن الكويت والإمارات تصدران نفس كمية النفط تقريبا، وهذا يعني أيضا أن الإمارات الشقيقة استطاعت أن تحقق عائدات بنسبة 50% من مصادر غير نفطية.
أما عن الإنفاق فتشير التقارير نفسها إلى أن تكلفة المشاريع الإنشائية للسنوات الخمس القادمة في الإمارات تبلغ 459 بليون دولار،بينما في الكويت يعلم الله أين تذهب كل هذه البلايين!
لكن حتى لا نظلم الحكومة علينا ألا ننكر أنها قامت اخيرا مشكورة بتغيير البلاط في بعض الشوارع فجزاها الله كل خير، وكذلك شكلت «عدة لجان» وفرق عمل تم اختيار أعضائها «بعناية» لدراسة أفضل الحلول لترحيل العطل الرسمية إذا جاءت في منتصف الأسبوع!