محمد الخالدي
لا أستغرب حقيقة انشغال معظم المصلين عن سماع ما يقوله الإمام خلال خطب الجمعة، فكثير من هؤلاء الخطباء يتحدثون عادة بلغة لا يفهمها عامة الناس ولا المثقفون منهم أحيانا، وكأنهم يخاطبون أنفسهم، ولا أعلم السر وراء حرص كثير من خطباء المساجد على استخدام الطباق والجناس في أحاديثهم لدرجة تجعل المستمع يعتقد بأنه في محاضرة عن المحسنات البديعية في اللغة!
ثم لماذا يصر هؤلاء الخطباء على الحديث بلغة اللوم والتبكيت وإغراق المصلين بحالة من البؤس والشقاء والشعور باليأس من رحمة الله، لماذا يوجهون خطبهم دائما بصيغة التهديد والوعيد ولوم المسلمين على ارتكاب المعاصي بصوت عال وصراخ وكأنهم يتحدثون إلى أطفالهم الصغار أو كأنهم هم المعصومون والخالون من الذنوب والآثام؟! لماذا لا يقدمون للناس النصيحة بكلام طيب وهادئ ينبع من القلب إلى القلب وهم مبتسمون، أم أن التجهم والتكشير والصراخ من عناصر الخطبة؟!
أتمنى أن يسأل خطباء المساجد أنفسهم عن سر تلك الحشود والآلاف المؤلفة من الشباب الذين يتسابقون إلى حضور محاضرات بعض الدعاة من أمثال عمرو خالد ونبيل العوضي ود.طارق السويدان وغيرهم، ويحرصون على الحضور والوقوف لساعات طويلة لسماع ما يقولون، في حين أن نفس هؤلاء الشباب عندما يجلسون في المساجد يستمرون في عمل أي شيء إلا سماع الخطبة ويراقبون ساعاتهم في انتظار أن يقول الإمام «أقم الصلاة».
مع أن الحديث واحد تقريبا والمصدر واحد وكلهم يستشهدون بالقرآن والسنة! السبب في لغة الخطاب بالتأكيد، فالإنسان لا يحتمل أن يجلس لسماع حديث لا يفهمه، ولا يحتمل كلاما مليئا بالتنفير والتذكير بالعذاب دون ذكر رحمة الله عز وجل.
خطاب الدعاة الشباب خطاب عقلاني هادئ يستنبط الحكم والعبر بلغة بسيطة وقريبة من عقول وقلوب الناس، بينما خطاب كثير من أئمة المساجد مع الأسف الشديد خطاب متشائم وبعيد عن واقع البشر ومشاعرهم وطبيعتهم البشرية القاصرة.
أتمنى ألا يجزع الخطباء من هذا الحديث وألا يحمل المقال أكثر مما فيه، فالقضية مجرد عتاب ونقد لأسلوب الخطابة عند كثير منهم، فإن أرادوا الخير للناس فعليهم أن يراجعوا أنفسهم وخطابهم مع المسلمين، وأن يتذكروا قول الفاروق ( رضي الله عنه ) «رحم الله امرأ أهدى إلي عيوبي».