محمد الخالدي
شُغل الفلاسفة والمفكرون واختلفوا حول مفهوم الحضارة والثقافة كثيرا، وأطلقوا العديد من التعريفات لتلك المفاهيم يصل بعضها إلى حد التناقض، ومع ذلك يمكن التماس خيط مشترك بين تلك التعاريف المختلفة والقول إن الثقافة تعني الجانب اللامادي من حياة البشر، العادات والتقاليد واللغة والقانون، الموسيقى وطريقة اللباس والطبخ والزواج وحتى طقوس دفن الموتى.. الخ باختصار الثقافة تعني أسلوب حياة المجتمع.
أما الحضارة فهي مجموع الإنتاج المادي للإنسان، وكل ما ينتجه البشر من أدوات لتحسين حياتهم وجعلها أفضل.
وبهذا المعنى نفهم أن كل المجتمعات البشرية لديها حضارة، حتى الإنسان البدائي كانت لديه حضارة طالما أنه أنتج أدواته الخاصة للعيش والتكيف مع ظروف الحياة.
ولكن ما معنى كلمة «غير متحضر» التي نسمعها كثيرا؟ باختصار شديد يكون الإنسان غير متحضر عندما يسيء استخدام تلك الأدوات، عندما يتعامل مع ما أنتجه الإنسان بطريقة مخالفة لما أنتجت له.
فالسيارة على سبيل المثال هي إحدى المنتجات الحضارية في هذا العصر، وجدت لتسهيل حركة انتقال الأفراد ولكن عندما يقودها شخص بطريقة لا تناسب الغاية منها يكون عندئذ شخصا غير متحضر.
فالحضارة لا تعني على الإطلاق أن يكون الشيء جديدا وبالتالي ليس كل ما هو قديم رجعيا ومتخلفا وغير حضاري.
بل قد يكون الإنسان البدائي الذي عاش قبل آلاف السنين أكثر حضارة من الكثيرين اليوم طالما أنه كان ملتزما باستخدام أدواته والتعامل مع إنتاجه الحضاري بطريقة سليمة.
كما أن التمسك بالقديم لا يعني بالضرورة الرجعية والتخلف، فكثير من إنتاج البشر اليوم لا يتناسب مع إنسانيتهم أصلا.
وبهذا المعنى أيضا ينبغي أن نميز بين الثقافة والحضارة، فكثير من الناس يخلطون الأمور فيما بينهم لدرجة أنهم يصفون شخصا ما بأنه غير متحضر لمجرد تمسكه بعادات وتقاليد ورثها عن آبائه وأجداده ويجد أنها الأنسب له.
فثقافة الشعوب هي تعبير عن تاريخهم وتراثهم ودينهم ومعتقداتهم، وغالبا ما تنشأ المشكلات الثقافية الكثيرة بسبب هذا الخلط، ومن المقبول ان يتم استيراد مكونات حضارية من مجتمعات أخرى ويمكن التعايش معها واستيعابها بسهولة، كما يحدث الآن مع المجتمعات العربية التي تستورد كل ما ينتجه الغرب من أدوات، غير أن استيراد مكونات ثقافية ليس كذلك، أو ليس بهذه السهولة على أقل تقدير.
وبهذا المعنى أيضا نفهم العبارة الجميلة لنزار قباني: «لبسنا ثوب الحضارة، والروح جاهلية».
في أوائل الثمانينيات بدأت في مصر عملية واسعة النطاق من أجل حث المواطنين على تحديد النسل بسبب الزيادة الكبيرة في عدد السكان، فبدأت الحكومة بحملة إعلامية ضخمة لإقناع الناس بضرورة تحديد النسل وكانت النتيجة بعد مرور ما يزيد على العشرين عاما أن الحملة الإعلامية نجحت إلى حد ما في القاهرة والمدن الأخرى ولكنها فشلت بقوة في المناطق الريفية وصعيد مصر.
والسبب واضح بكل تأكيد وهو أن هذا «العنصر الثقافي» (مفهوم الخلفة) يرتبط بعناصر ثقافية أخرى كثيرة منها مفاهيم العزوة والرزق والحلال والحرام والعيب والرجولة و... الخ فلا يمكن إحداث تغيير في أحد هذه المكونات بمعزل عن بقية المكونات الثقافية الأخرى المرتبطة به.
كنت أتحدث ذات مرة مع د.فاطمة العبدلي عن خطاب كثير من المرشحات لمجلس الأمة والذي لا يختلف كثيرا عن محاولة الحكومة المصرية في الثمانينيات لإقناع المواطنين بضرورة تحديد النسل، فكما أنك لا يمكن أن تجعل رجلا يؤمن بأن كثرة الأولاد عزوة وأن الرزق من رب العالمين وأن قلة الإنجاب دليل ضعف الفحولة بتحديد النسل قبل أن تجري عمليات أخرى لتصحيح تلك المفاهيم، كذلك لا يمكن للنساء في الكويت أن يقنعن ليس الرجال فحسب بل النساء أيضا بوصول المرأة للبرلمان قبل أن تتغير مفاهيم «الولاية العامة» وخروج المرأة من المنزل ومخالطة الرجال.
فالحديث عن برنامج انتخابي جميل ومتقن ومكتوب بأسلوب أكاديمي جميل لن يفيد قبل أن تقوم المرأة بواجبها تجاه المكونات الثقافية الأخرى التي ترتبط بمفهوم وصول المرأة للبرلمان.