محمد الخالدي
يحكى أن سباقا لقوارب التجديف جرى بين الفريق الكويتي والفريق الياباني، كانت نتيجته بالتأكيد خسارة فادحة للفريق الكويتي، وعندما حاول المسؤولون - عبثا - أن يفهموا سبب هذه الخسارة وجدوا أن الفريق الياباني يتكون من 8 مجدفين ورئيس واحد للفريق، بينما الفريق الكويتي يتكون من مجدف واحد و8 رؤساء.
قرروا إعادة ترتيب الأمور وإعادة السباق فجاءت النتيجة أسوأ من السابقة، نظروا مرة أخرى في الأمر فوجدوا أن الفريق الياباني لا يزال بنفس التركيب 8 مجدفين ورئيس واحد، بينما الفريق الكويتي أصبح بعد التعديل يتكون من مدير عام، 7 نواب للمدير العام ومجدف واحد، فقرروا العودة إلى الكويت وإلقاء اللوم على المجدف!
تشير الموسوعات السياسية إلى مفهوم في غاية الأهمية والخطورة أيضا وهو lobbying وهو عملية ممارسة نوع من الضغط على صناع القرار من أعضاء البرلمان لحثهم على التصويت في اتجاه معين، وتسمى مثل هذه الجماعات التي تمارس هذا الفعل بجماعة الضغط.
الكلمة الانجليزية lobby تعني حرفيا الممر أو الرواق فاستخدمت كمصطلح للدلالة على الأشخاص الذين كانوا ينتظرون أعضاء البرلمان في ممرات الكونغرس لممارسة التأثير والضغط عليهم قبل التصويت.
بعد ذلك أصبحت هذه العملية منظمة ومحددة بقوانين فيدرالية وبات من حق أي فرد أو جماعة أن تمارس الضغط على صناع القرار بل وفتح مكاتب لهذه الجماعات داخل الكونغرس نفسه.
وفي الكونغرس الآن آلاف الجماعات المسجلة رسميا من أشهرها جماعة حماية الحريات العامة ودعاة حقوق الإنسان واللوبي الصهيوني واللوبي الإسلامي أيضا على الرغم من محدودية تأثيره قياسا باللوبي الصهيوني.
في الكويت أيضا يمكن ملاحظة عمل كثير من جماعات الضغط التي تمارس عملها بحرفية عالية مع صناع القرار من أعضاء مجلس الأمة والحكومة على حد سواء، مع فارق جوهري يتمثل في أن جماعات الضغط عندنا في الغالب هم مجموعة من الأفراد «يعملون في الخفاء» لتصبح التشريعات في خدمة مصالحهم الشخصية وليس مصالح الكويت والمجتمع!
ولم تقف ممارسة عملية الضغط من قبل أصحاب النفوذ على أعضاء مجلس الأمة والحكومة، بل تعدتها إلى ممارسة الضغط وبقوة أكبر حتى في قرارات الترقية والتعيين للوظائف الإشرافية والقيادية حتى بات معيار القوة والنفوذ (الواسطة) أهم بكثير من معيار الكفاءة.
والنتيجة الكارثية لهذه الممارسات الفجة لا تخفى على أحد، إذ لم يعد الهم الأكبر الآن لدى كثير من القياديين والمسؤولين سوى المحافظة على الكرسي وتوثيق العلاقات الطيبة لكسب الود والرضا وبالتالي البقاء لأطول فترة ممكنة.
أما العمل نفسه (والذي يهدف إلى الصالح العام) فلم يعد له أي تأثير أو أهمية طالما أنه لا يدخل أصلا فــــي عملية الاختيار أو تحديد مدة البقاء.
ولما كانت عمليات الضغط واللوبيات مستمرة ولن تتوقف بل ستزيد ضراوة وحدة بسبب التنافس وتضارب المصالح، بات من الضروري أن يبدأ الشباب الكويتي الناضج والواعي بتشكيل جماعات ضغط منظمة تعمل بأسس علمية ولديها قراءة واعية للواقع حتى نصل إلى مشاركة فعالة وتوازن معقول يحفظ مؤسسة التشريع من الانزلاق لخدمة «اتجاه واحد».
وتجارب الشباب الكويتي في ذلك غنية ولله الحمد، وهم قادرون بالتأكيد على ترسيخ موضع قدم للمشاركة الحضارية في هذه العملية المعقدة.
وللحديث بقية...