محمد الخالدي
قال نيتشه ذات مرة «إننا نضطر لرفض كثير من الأفكار الصالحة لمجرد أن من قالوها عبروا عنها بصورة سيئة».
وهو محق في قوله متى ما نظرنا إلى خطاب كثير من الدعاة والمشايخ خاصة عند حديثهم عن الطائفية.
فمن أبشع المفارقات أن يكون الحديث حول نبذ الطائفية والدعوة إلى التسامح والوحدة الوطنية بهذه اللغة العنيفة والنفس الإقصائي وأن يحمل في طياته الكثير من التشكيك في ولاء الناس وحتى نواياهم.
ولأن الحديث الطائفي في الكويت أخذ اليوم منحى آخر أشد قسوة وحماقة، فإن ذلك يجعلنا نقول بكل ثقة إننا بتنا نعاني من مشكلة طائفية لم نكن نعرفها قبل اليوم.
غير أنها في بداياتها ولا تحتاج في وأدها إلا الى القليل من «الحزم» لإخماد شرارة الفتن، ولا أظن أن الحديث عن حسن النوايا ذو جدوى مع مفتعلي هذه الفتن ومستخدمي تلك اللغة البغيضة لأنه حديث لا يفهمونه أصلا.
لدينا مشكلات قد تحمل في داخلها بذرة الشر وفتيل أزمة طائفية مثل بعض المناهج الدراسية وغيرها، غير أن التعامل مع تلك المشكلات وطريقة طرحها بذلك الخطاب الاستفزازي من كلا الطرفين وتلك اللغة العنيفة وذلك الحديث العنصري البشع والذي يميز الناس ويصنفهم مع هذا أو ضد ذاك بكل بساطة هو تعامل أخرق لن يوصلنا إلى شيء سوى الصراع والتفتت.
وفي كثير مما يكتب من مقالات وتصريحات وفيما يقال في خطب الجمعة والأشرطة الإسلامية وفي مواقع الانترنت دلالة واضحة على وجود شيء من هذا النفس عند البعض ممن يرون أنهم مكلفون من الله عز وجل ومأجورون على ذلك الخطاب الإقصائي.
هناك بوادر أزمة طائفية علينا أن نعترف بها ونشخصها ونحدد أطرافها بكل وضوح قبل أن تقع الكارثة، وهي أزمة لن يحلها الزمن من تلقاء ذاته وإنما تتطلب عملا حقيقيا واتفاقا واضحا على وقف هذا النزيف من التصريحات والأحاديث الهجومية والاستفزازية من الجميع، فعامة الناس يؤمنون بمشايخهم ويصدقون ما يقولون وسيفعلون ما يؤمرون منهم بلا تأمل ولا تفكير وهنا مكمن الخطر، وهنا أيضا مكمن العمل.
لقد بات الجميع يتحدث عن نبذ الطائفية والتنبيه من مخاطرها وهو مؤشر واضح على وجود مشكلة وإلا لما استدعى الأمر كل هذا الغثاء، فهل ننتبه ونتحلى بالشجاعة وننتصر لوحدتنا الوطنية ونقطع دابر الشر في مهده، أم نستمر في دس رؤوسنا في الرمال وندعي المثالية والانسجام بكل سذاجة؟!