محمد الخالدي
تذكر التعاليم التلمودية بكل صراحة عدة نصوص تحرم على اليهودي مساعدة غير اليهودي بأي شكل من الأشكال، كما تؤكد تعاليم اليهودية على عدم جواز تقديم المساعدة الطبية لأي شخص غير يهودي حتى وإن كان على مشارف الموت.
وهذا أمر مفهوم جدا في التعاليم اليهودية كونها تعتبر الأغيار (كل من هو غير يهودي) ليسوا بشرا ولا يستحقون أي عون أو مساعدة.
أبومحمد عراقي كردي عاش في الكويت أكثر من 30 عاما، عمل فيها وتزوج فيها وأنجب جميع أبنائه في الكويت، ولكنه اضطر مع من اضطر للجوء إلى بريطانيا بعد الاحتلال العراقي للكويت عام 1990.
تعرفت عليه في عام 2003 في لندن حيث يعيش الآن، ولكنه أبدا لم ينس الكويت ولا يذكرها إلا بكل خير.
ومع ذلك روى لي قبل أسبوع حادثة غريبة حول نظام العلاج في الكويت، يقول إنه كان في الكويت مع أسرته لزيارة شقيقته التي لاتزال تعيش هناك، وفي تلك الأثناء تعرضت حفيدته لحمى شديدة فأسرع بها إلى أقرب مستوصف، إلا أن موظفة الاستقبال رفضت إعطاءه ورقة الدخول على الطبيب بحجة أنه لا يملك تأمينا صحيا، ويضيف أنه توجه إلى مستوصف آخر بعد أن باءت محاولاته بالفشل في المرة الأولى، غير أن الموقف ذاته تكرر في المستوصف الثاني وتم رفض علاج طفلة صغيرة تعاني من حمى قد تودي بحياتها.
أبومحمد كان يروي تلك الحادثة وهو يكاد يبكي، أذهله الاستغراب كيف تكون الكويت الدولة العربية المسلمة ترفض علاج طفلة على وشك الموت.
في عام 2003 كنت في إجازة تفرغ دراسي فذهبت إلى لندن لغرض الدراسة، بعد أيام تعرضت ابنتي لعارض صحي فطلبت سيارة الإسعاف والتي وصلت بعد 3 دقائق، ذهبنا إلى المستشفى وهناك وجدنا من الرعاية - وأنا غريب - ما لم أجده كمواطن في بلدي الكويت، فلم يكتف الطبيب بمعالجة ابنتي حينها خاصة بعد أن لاحظ أنها معاقة، بل كتب تقريرا طبيا أرسله على الفور إلى جمعية تضم عددا من المتطوعين أرسلت لي بدورها اثنين من طلبة الطب كانا يقومان بزيارتي يومين في الأسبوع لمتابعة ابنتي وإحضار الأدوية لها مجانا وإجراء العلاج الطبيعي لها في منزلي تطوعا.
هكذا كانوا يعاملوننا ونحن غرباء بلا تأمين صحي.
ونحن نستكثر على الوافدين ممن يقدمون لنا خدمات لا يمكن أن نستغني عنها العلاج المجاني أسوة بالمواطن، هكذا بكل بساطة يتم التمييز بين المواطن الكويتي و«غير الكويتي» حتى في العلاج مع الأسف الشديد.
قد نتقبل التمييز في أمور أخرى، لكن في العلاج المسألة مختلفة ولا ينبغي أن تستمر هذه المعاملة على الإطلاق كونها تتعلق بحياة البشر وصحتهم حتى وإن كانوا غير مواطنين. وإلا ما الذي يميزنا عن اليهود؟
هذا نداء مباشر إلى الأخ علي البراك وزير الصحة، وهو رجل أعرف عن إنسانيته وحسن خلقه الشيء الكثير، عملت معه عندما كان مدير عام منطقة الجهراء التعليمية وعملت معه في كنترول الثانوية العامة وأقول بكل ثقة إنه رجل نزيه لا يرضى بالظلم والتمييز بهذه الصورة الصارخة، وكلنا أمل بأن تحتل هذه القضية مركز اهتمامه ليعرضها على مجلس الوزراء الموقر ليتم اتخاذ القرار الصائب بإلغاء أي تمييز في العلاج بين جميع البشر ماداموا على أرض الكويت.