محمد الخالدي
إذا كان لدى بعض النواب تحفظات على قضية التجنيس، مما أعطى الحكومة مبررا للمماطلة والتسويف في هذه القضية وحرمان آلاف البشر طوال العقود الخمسة الماضية من حقهم في العيش في البلد الذي ولدوا وتربوا فيه ولم يغادروه، فإن مقترح إعطاء البدون حقوقهم القانونية والمدنية يجب ألا يواجه بأي اعتراض من قبل أعضاء مجلس الأمة أو الحكومة، وإلا فإن أي حديث عن «الجانب الإنساني» في الكويت سيكون دغدغة مشاعر وضحكا على الذقون على حساب آلام ومعاناة عدد كبير من إخواننا وأهلنا البدون.
ولا أتصور أن أحدا يمتلك ذرة من الشعور الإنساني ناهيك عن خلق الإسلام العظيم يمكن أن يقف ضد مثل هذا التوجه الذي نأمل أن ينصف هؤلاء البشر ويضع حدا لمعاناتهم اليومية.
فمن يصدق أن في الكويت بشرا يعانون الجوع والحرمان من التعليم والعلاج وحتى الزواج أو الإنجاب، فبأي لغة نتحدث عن الإسلام وعن حقوق الإنسان وبأي وجه ننتقد ممارسات الآخرين الديكتاتورية؟!
مقترح إعطاء البدون حقوقهم القانونية والمدنية مقترح إنساني ووطني عظيم سيحفظ سمعة الكويت قبل كل شيء، وهو مقترح يفصل قضية التجنيس عن قضية حقوق الإنسان والتي كان من المفترض أن تفصل قبل خمسين عاما، ومع ذلك، كما يقول الانجليز، أن تأتي متأخرا خير من ألا تأتي أبدا.
ولا أظن أن أحدا من النواب يملك مبررا أخلاقيا على أقل تقدير لرفض هذا المقترح الذي لا ينص إلا على بعض الحقوق الأساسية التي يجب ألا يحرم منها أي إنسان بحسب كل المواثيق الدينية والشرعية في العالم أجمع، فما هو مبرر رفض إعطاء أي إنسان الحق في العمل أو توثيق عقد الزواج وإثبات نسب أولاده إليه وعلاجهم وتعليمهم أو إعطائه هوية تجعله يتحرك مثل بقية خلق الله؟
بأي وجه سيقابل الله عز وجل من يرفض مثل هذا المقترح قبل أن يواجه ضميره والناس؟
فإلى نواب الأمة وأعضاء الحكومة، لقد خذلتمونا بما فيه الكفاية، وتسببتم في تعطيل مسيرة البناء والتنمية حتى تراجعت الكويت بسبب ممارساتكم خمسين عاما للوراء، نطالبكم باسم الله الأعظم، وباسم الشريعة الإسلامية السمحاء، وباسم جميع المواثيق الدولية والأعراف الإنسانية، باسم الأخلاق والضمير والنخوة والشهامة وباسم جميع الفضائل ألا تخذلونا هذه المرة، فالمطلب بسيط ولا يحتاج أكثر من وقفة مع النفس وتذكروا أنكم موقوفون وستسألون بأي ذنب حرمتم كل هؤلاء البشر من حقوقهم في حياة كريمة.
وقفة للتاريخ: آخر ما كنا نتوقعه أن تغلب الحسابات السياسية والمصالح الشخصية على بعض النواب المحسوبين على التيار السلفي، ومع ذلك إذا كان الأمر بالنسبة لبعض مدعي التقوى ممن يصنفون أنفسهم على أنهم نواب «إسلاميون» مجرد حسابات سياسية هي أهم عندهم من ذلك القسم العظيم الذي أدوه، فلا أقل من أن نذكرهم بمواقف الشعب الكويتي الأصيل من أمثالهم عندما قال كلمته وأخرج أمثالهم من النواب ممن خانوا الأمانة.