محمد الخالدي
دخل رجل إلى أحد المساجد فوجد الناس جميعهم يبكون، فقال: ما بكم؟ قالوا: لقد سرق المصحف، فقال: كلكم يبكي، فمن سرق المصحف؟!
أصبح الجميع في الكويت يتحدث وينتقد الوضع المتدهور في البلد، وهذا أمر غير طبيعي بالتأكيد، فالمفروض أن الناس انتخبوا ممثليهم في البرلمان وهؤلاء عليهم أمانة ومسؤولية التشريع والمراقبة، لقد أدى المواطنون دورهم وبقي أن يؤدي ممثلوهم واجبهم، والمفروض أيضا أن تعمل الحكومة من أجل بناء ونهضة البلد فإذا حدث خلل في إحدى الوزارات يقوم البرلمان بدوره الرقابي المعتاد والمنصوص عليه في الدستور.
لماذا إذن كل القضايا لدينا محل خلاف وصراخ ومماطلة وتهديد ومساومات وصفقات والشعب بأكمله مشغول في قضايا البلد؟ واضح أن هناك خللا في الممارسة ولكن من المسؤول عن ذلك، هذا ما نحتاج إلى فهمه.
لا نفهم لماذا تجزع الحكومة لمجرد تصريح أحد النواب بأنه عازم على تقديم استجواب لأحد الوزراء، فنراها مرتبكة ولا تفكر إلا في كيفية ثني هذا النائب عن الاستجواب، لماذا كل هذا الخوف؟ وما المشكلة في الاستجواب؟ هذا يدل على أن الحكومة في بطنها شيء ولا تحب أن تفتضح.
نضرب مثالا بقضية المصفاة الرابعة، هناك شبهة تلاعب بالمال العام، حسنا لا بأس فالمسألة مجرد شكوك مصدرها معلومات من هنا أو هناك، من حق النواب بل من واجبهم تقصي المعلومات واستكشاف الأمر، الآن.. لماذا يأخذ هذا الموضوع كل هذا الوقت من الصراع والصراخ وتتحول المسألة إلى أزمة سياسية وتصبح العلاقة بين السلطتين «عدم تعاون» وتصل الأمور إلى حد المطالبة بحل المجلس، ويتهم الناس بذممهم وتتعطل مصالح البلاد بأكملها نتيجة تفرغ الحكومة لوقف الاستجواب؟ الجواب بسيط..
مرة أخرى لأن الحكومة في بطنها شيء، وإلا فالمسألة بسيطة، المشروع له أوراق وعقود يتم عرضها ودراستها فإن كان فيه خير للكويت فأهلا بهذا المشروع وإن كان فيه سرقة يوقف ويحال المجرمون للنيابة العامة وانتهينا.
وبالمثل يمكننا الحديث عن بقية القضايا مثل ملف التجنيس أو تدهور التعليم وأزمة البورصة وانحدار الرياضة وزيادة نسبة الجريمة وغيرها.
ثم ألا تلاحظون أن 99% من القضايا محل الصراع بين السلطتين هي عبارة عن قضايا تتعلق بالمال العام وشبهات سرقة من هذا المال، وبالتالي فكل هذا التعطيل والأزمات بين السلطتين يصبح له معنى واحد هو محاولة الحكومة التستر على هذه القضايا وحماية لصوص المال العام! واضح تماما أن الخلل بالدرجة الأولى يكمن في الحكومة ونيتها غير السليمة.
لا ندعي أن أعضاء مجلس الأمة ملائكة، ولا نعتقد أنهم غير شركاء في صنع هذا الوضع البائس للبلاد، ولكنهم على أقل تقدير لم يفعلوا أكثر من ممارسة حقهم الدستوري وواجبهم الوطني في أغلب القضايا التي أدت ولاتزال إلى حالة التنافر بين السلطتين وتوقف مسيرة البناء وعجز الحكومة عن الوفاء بالحد الأدنى من التزاماتها تجاه الكويت.
ثم إن معظم نواب الأمة موجودون في المجلس «من عمر جدي» ولم يتغير أسلوبهم في العمل فما الذي استجد الآن، الذي استجد بالتأكيد هو وجود حكومة عاجزة عن وضع «خطة عمل» تسير عليها ولم تمارس غير الهدم منذ سنوات.
الخلل واضح ويراه حتى الأعمى فالحكومة هي المسؤولة بالدرجة الأولى عن كل هذا الانحدار والتلاعب بالمال العام وتوقف مشاريع التنمية.