محمد الخالدي
في لقاء صحافي مع أحد الناجين من انهيار بورصة نيويورك عام 1929 والذي تنبأ بحدوث الانهيار وقام ببيع أسهمه وسحب مدخراته من البنوك أجاب على السؤال «كيف علمت بالكارثة قبل حدوثها» بالقول «كنت خارجا من البورصة، وتوقفت في الشارع لتلميع حذائي، فبدأ العامل الذي يقوم بتلميع الأحذية يسألني عن الأسهم والشركات المتداولة ويحلل الوضع العام للسوق وينتقد بكل طلاقة، فأيقنت بقرب انهيار السوق طالما أن الوضع وصل إلى هذا الحد».
لم يعد خافيا أننا أصبحنا جميعا منغمسين في لعبة السياسة الدائرة بين السلطتين، بحسن نية أو ربما بسوء نية، عن جهل أو ربما عن علم، بقصد أو ربما من دون قصد، فجأة أصبح الجميع محللين سياسيين، وكلنا أصبحنا نملك الحقيقة ونعرف ما يدور، وكلنا لدينا مصادر من ديوانيات «عروقها بالماي».
اتصلت بأحد الأصدقاء ودعوته للخروج لنجلس في أحد المقاهي، فقال «أييكم لكن بشرط، ما في كلام في السياسة، خلاص ملينا زهقنا وين ما نروح ما نسمع غير الحكومة والمجلس والأزمة والصراع والحل الدستوري وغير الدستوري، مو كافي التلفزيونات والجرايد من أولها لآخرها ما عندهم غير هالسالفة» قلت له والله معك حق، البلد بأكملها تحولت إلى برنامج «الاتجاه المعاكس».
أعتقد أننا بحاجة إلى وقفة مع النفس، بحاجة إلى أن نترك الأمر إلى أهل الاختصاص، فالدستور بأيد أمينة ولسنا أحرص من صاحب السمو الأمير على الديموقراطية والدستور، الحكومة والمجلس في النهاية كلهم أبناء البلد ولا أحد منهم يريد الشر بالكويت بالتأكيد، ولا أحد أكثر وطنية من الآخر، كلنا كويتيون وكلنا نحب بلدنا وولاؤنا للكويت ولأسرة الصباح ولسنا بحاجة إلى كل هذا العويل والنواح.
أعتقد بأن ثلاثة أعوام من الانتقاد المستمر والجارح الذي تلقته الحكومة والمجلس يعد أكثر من اللازم بكثير، وأعتقد أن كثيرا منا قد تجاوز حدود المقبول وأننا اندمجنا في هذه الممارسة التي تكاد تفلت عن حدود الانضباط حتى دخلنا في مرحلة «التطاول» على رموز البلد والطعن في بعضنا البعض وتوزيع الاتهامات المعلبة والجاهزة لكل صاحب رأي مخالف أو وجهة نظر أخرى، هذا سني وذاك شيعي، هذا قبلي وهذا عائلي، هذا حضري وهذا بدوي، هذا حكومي وذاك إسلامي أو ليبرالي أو علماني أو طائفي وقائمة طويلة لا تنتهي من التصنيفات التي هي أكثر من عدد سكان الكويت، لنحاسب أنفسنا أولا قبل أن نطلق العنان لأقلامنا وألسنتنا في إلقاء التهم على الآخرين، فمن يقرأ صحفنا وهي مقروءة في الخارج فلن يخرج بأي انطباع آخر سوى أننا جميعا ضد الكويت.
«بعيدا عن السياسة» ليس موضوع هذا المقال، بل هو دعوة متواضعة وصادقة لنفسي ولأبناء بلدي بأن نعيد التفكير فيما نفعل وفيما نقول، بأن ننتبه إلى أننا أصبحنا جزءا من آلة تدمير تزداد ضخامة ووحشية يوما بعد يوم موجهة إلى بلدنا ومستقبلنا، دعوة لأن نتوقف قليلا عن شحن أعضاء مجلس الأمة ولوم الحكومة على كل صغيرة وكبيرة، دعوة لأن نثق بولاة أمورنا ونطمئن لحكمة قائد مسيرتنا ونكف عن الانغماس في «نظرية المؤامرة» والاعتقاد أن هناك من يترصد للقضاء على دستورنا.
لقد قمنا بواجبنا واخترنا ممثلينا في البرلمان، فلا أقل من إعطائهم فرصة للعمل والانجاز بعيدا عن هذا الجو المشحون بالاتهامات والقذف والسباب، ففي النهاية نحن نملك حق الحكم عليهم وتقييمهم بعد انتهاء دورة التشريع.
لنعد إلى حياتنا العادية، فلنخرج ولنضحك ولنفرح ولنلعب ولنؤد أعمالنا ولا نتوقف عند هذه الأزمة، فعجلة الحياة مستمرة و«فساد الهواء لن يمنعنا من التنفس».