محمد الخالدي
الاستماع للآخرين قيمة أخلاقية عظيمة ينبغي أن نتحلى بها، وهي تعبير عن احترام للطرف الآخر والاهتمام بما يقول دون مقاطعة أو استهزاء أو تسخيف للرأي حتى إن كان مخالفا لما نعتقد به، ففي النهاية لكل إنسان شخصيته وطبيعته وتكوينه الخاص الذي من خلاله تتشكل آراؤه وأفكاره وانطباعاته عن العالم وعن الآخرين، لكل إنسان «قصة حياة» تختلف عن غيره ولا يمكن أن تتكرر بأحداثها وتفاصيلها.
علينا ألا نتوقع أن يصبح جميع الناس صورة طبق الأصل عنا، وليس من المفروض أن يقتنع كل الناس بما نعتقد أنه صواب، فكما أن لنا الحق في تكوين قناعاتنا وأفكارنا، للآخرين أيضا نفس الحق.
أراقب في كثير من الأحيان طريقة الحوار بين الناس، تستحضرني دائما خلال عملية «التلصص» هذه المعنى الجميل للكلمة اليونانية «ديالوج» والتي تتكون من مقطعين، «ديا» أي الذهاب والمجيء و«لوج» أي الكلام، فالحوار في حقيقته هو كلام بين طرفين يذهب ويجيء، إرسال واستقبال.
غير أن ما ألاحظه في الغالب هو صراع حناجر ومبارزة خطابية ومحاولة لوأد كل فكرة قبل أن تولد حتى، فماذا نسمي أغلب ما نشاهده بين الناس من مقاطعة وكلام مرسل في اتجاه واحد وهم يتحدثون ولا يسمعون؟
عندما يتحدث الإنسان فهو يعبر عن ذاته، عن أفكاره ومشاعره، يتواصل مع الآخرين ليحقق إنسانيته بهذا التواصل، ومن غير اللائق أن يحرم أي إنسان من حقه في التعبير عن نفسه ومشاعره، كما أنه ليس من المفروض أن يكون في كل حوار نية لتغيير ما يعتقد به الطرف الآخر ومحاولة إجباره على تبني ما نعتقد، يكفي أن يتواصل الناس فيما بينهم ويعبرون عن ذواتهم وآرائهم بحرية دون أن نضطر إلى تغيير أفكارنا ومعتقداتنا، يكفي أن نستمع لبعضنا بطريقة آدمية تعبر عن احترامنا وتقديرنا لأنفسنا وللآخرين دون التربص لما يقوله الطرف الآخر في محاولة للإيقاع به أو اكتشاف خطأ في حديثه وكأننا نكتشف كنزا عندما نكتشف خطأ أو زلة لسان.
«مؤلم أن تكون حياتك فارغة مما يستحق الذكر، مؤلم أكثر أن يكون لديك الكثير لتقوله، عن حياة فارغة!».