محمد الخالدي
قبل عام مضى، كنت جالسا عند اخصائي العلاج الطبيعي الذي كان على وشك أن يكتب لي العلاج الطبيعي المناسب، فجأة دخل أحد المرضى غرفة الطبيب بلا استئذان ولا اهتمام بحقوق المرضى، فالخصوصية مفهوم غير متداول عند الكثيرين على كل حال.
المهم أن المريض قاطع الطبيب وقدم إليه ورقة وقال له حرفيا «هاك غير لي العلاج، ما أبي علاج الكهرباء، أبي تدليك ومساج».
نظر إليه الطبيب ثم نظر إلي باستغراب ثم قال للمريض «يا حاج حالتك لازم لها علاج بالكهربا، التدليك مش كويس علشانك»، لم يعجب هذا الرد صاحبنا المريض بالتأكيد، فقال للطبيب «مابي الكهرباء، أبي تدليك»، هكذا بكل بساطة.
رد عليه الطبيب «يا حاج والله ما ينفع، لازم تاخذ جلسات الكهربا.. هو ده علاجك»، وهنا تغيرت طريقة صاحبنا في الكلام وانفجر بالصراخ «ياخي انت شعليك، أنا المريض والا انت؟ قلت لك أبي تدليك عطني تدليك وخلصنا»، وهنا أيضا انفجر الطبيب – ومعه الحق – ورد على «الحجي» وقال «يا عم انت فاكر نفسك فين، في مطعم؟ ايه اللي اديني تدليك وعاوز ده ومش عاوز ده؟ انت الدكتور والا أنا؟ بقول لك التدليك مش كويس علشانك، ده علاجك اللي كتبته لك، واتفضل دلوقتي علشان عندي شغل».
خرج صاحبنا المريض وهو يتمتم ويسب ويقول «والله طرطرة.. ديرتنا ويتحكمون فينا».
هذه الحكاية تذكرتها قبل يومين أثناء مراجعتي للمستوصف لأخذ حقنة البنسلين، إذ دخل شاب طول بعرض وقدم وصفته الطبية للممرض، فقال له الممرض «شمر دراعك علشان إبرة الحساسية بالأول وبعد ربع ساعة ترجع للدكتور يشوفها»، فرد عليه الشاب بكل سذاجة «ما أبي إبرة الحساسية، عطني الإبرة الثانية وخلاص، أنا أعرف نفسي ما فيني حساسية»، قال له الممرض «مقدرش لازم إبرة الحساسية ويشوفها الدكتور ويدي لك الأوكي»، فصرخ الشاب أيضا بعصبية «يا أخي انت مالك شغل قلت لك ما أبي إبرة الحساسية»
أمر غريب حقا أن يتعامل بعض الناس بهذه العقلية، ولا أفهم لماذا يذهبون أصلا للطبيب إذا كانوا يعتقدون أنهم يفهمون أكثر من الأطباء ويعرفون كل شيء.
ثم أي وقاحة هذه عندما يصل الأمر بشخص ويتحدث مع الناس بهذه الطريقة، كيف يفكر هؤلاء؟ وأي ثقافة هذه التي أفرزت مثل هذه السلوكيات الغريبة؟ ما أبعدنا عن الحضارة ونحن لايزال بيننا من يتعامل مع الناس وكأنه مركز الكون.