محمد الخالدي
إذا كان أرسطو قد عرف الإنسان بأنه «حيوان ناطق»، وعرفه كانط بأنه «حيوان أخلاقي»، فإن كارل ماركس قد عرف الإنسان بأنه «حيوان عامل»، ليس فقط لأن الإنسان هو الكائن الوحيد من بين الكائنات التي تتميز بالقدرة على العمل، وإنما أيضا لأنه من خلال العمل يحقق الإنسان ذاته ويدرك آدميته.
فقد كان الإنسان في المرحلة التاريخية الأولى «يعمل ليعيش»، يجمع الطعام من هنا وهناك ليس من أجل تكديس الثروة وإنما ليؤمن قوت يومه فحسب، فكان الإنسان في هذه المرحلة يشعر بأنه «جزء من الطبيعة» وفي حالة انسجام معها، مفهوم العمل في هذه المرحلة هو ما تطلق عليه حنا آرنت ومن منظور ماركسي مصطلح labor ، والذي يحمل معنى ارتباط العمل بمفهوم الحياة، وهو المعنى الأصيل للإنسانية.
ولكن بعد أن دخلت على الإنسان مفاهيم العمل الحديث كالبيروقراطية وتقسيم العمل وخط سير الإنتاج التي تسببت في اغتراب الإنسان عن العالم، عندما دخلت مفاهيم تكديس الثروة وسيطرت على الإنسان فكرة الغائية حتى أصبح كل شيء بالنسبة له يجب أن يكون وسيلة لغاية، هنا تحول شعور الإنسان من كونه جزءا من الطبيعة إلى كونه «مقابل الطبيعة».
وبات شعور الإنسان بالاغتراب أقوى وأشد عنفا حتى بدأ يفقد قيمة الأشياء من حوله مادام كل شيء قابلاً للتحول من غاية إلى وسيلة لغاية أخرى في سلسلة لا تنتهي من الغايات، تحول الإنسان هنا إلى ترس صغير جدا في آلة عمل ضخمة جدا لا يعرف كيف تسير وكيف تطحن البشر من خلال المصانع، في هذه المرحلة أصبح الإنسان يعرف باسم «الإنسان العامل بالمعنى الميكانيكي للكلمة».
ولم تعد الحياة ذاتها هي الغاية بل أصبحت الأشياء هي الأهم، وبات تقييم البشر يتم بناء على ما يملكون وليس بناء على شخصياتهم وطبيعتهم الإنسانية، ولا غرابة أن تظهر أمثال شعبية تقول «معاك قرش تسوى قرش» مادام تقييم البشر أصبح بهذه الطريقة التي لا تختلف عن تقييم الأشياء، مشكلة الماركسية كما أعتقد تكمن في لينين، فما أدخله لينين من تعديلات أفقدت الماركسية روحها وأصالتها، أما مشكلة الماركسية في عالمنا العربي فإنها لم ينظر إليها إلا من خلال مقولة ماركس «الدين أفيون الشعوب» فتم اختزال كل التحليلات الاقتصادية ذات البعد الإنساني والتغاضي عنها والتركيز فقط على هذا الجانب وبالتالي الحكم على ماركس وإنتاجه الفكري بالإعدام.
ولكن: هل سيستمر هذا التجاهل على الرغم من معاناة البشر اليومية من ويلات الرأسمالية التي حولت الإنسان إلى أداة فارغة من الحياة والمضمون الإنساني؟ لا أعتقد.