محمد الخالدي
مشكلتنا في الكويت ثقافية بالدرجة الأولى، فنحن نمارس الحضارة بعقلية جاهلية صرفة، عندما نذهب لاختيار ممثلينا في البرلمان فإننا نختصر الوطن والمصلحة العامة ومستقبل أطفالنا بمعاملة صغيرة هي في النهاية إما حق ليس لأحد فضل فيه أو «منة» على صاحبه، وإما باطل يفترض بالمواطن ألا يطلبه أساسا.
ولكننا بكل بساطة نبيع الوطن لشخص عنده استعداد أن يشتريه ويبيعه بأبخس الأثمان، ولكي نخرج من هذه الإشكالية الثقافية نحتاج إلى مواطنين يتمتعون بوعي سياسي وفهم اجتماعي يؤهلهم لحسن اختيار أعضاء السلطة التشريعية والتي بدورها تساهم في اختيار السلطة التنفيذية والمشاركة فيها، ولكن كيف يمكن تحقيق الحد الأدنى من هذا الوعي والفهم؟ نحتاج إذن أن تكون مؤسسات التعليم ووسائل الإعلام على درجة عالية من الحرفية ويتمتع القائمون عليها بحس وطني ونظرة أبعد من نظرة المواطن العادي الذي يبيع صوته ويخون الأمانة مقابل توقيع معاملة، غير أن المؤسسات التعليمية ومؤسسات الدولة التي يحتاجها المواطن في تسيير أمور حياته لا تقدم له ما يرتقي بالوعي والفهم، بل إنها تجبره على اللجوء لهذا النائب أو ذاك من خلال تعطيل مصالحه وهضم حقوقه، وبالتالي يجد نفسه بعد أن فقد الثقة بالمؤسسة والمسؤولين فيها مضطرا إلى البحث عن وسائل أسرع للحصول على حقوقه.
هذا هو الحال إذن، أصبحنا نعيش في دوامة وحلقة مفرغة تكرس فيها الحكومة «الواسطة» وتضعف ثقة المواطنين بمؤسسات الدولة وترسخ للممارسة الجاهلية حيث تصبح مفاهيم القرابة والعائلة والمحسوبية هي الأساس، ولذلك لا غرابة أن يكون أول ما يفكر فيه المواطن عندما يريد توقيع معاملة أو التظلم من قرار جائر هو اللجوء إلى النائب وليس إلى مؤسسات الدولة، ولا غرابة أيضا أن تتحول ديوانيات كثير من نواب الأمة إلى دوائر حكومية مصغرة ومكاتب «للصادر والوارد» حيث يتلقون شكاوى المواطنين ومعاملاتهم لينجزوها بكل سهولة ويسر بعد أن يعجز المواطن عن إنجازها بالطرق القانونية، وليجد نفسه بعد ذلك أسيرا مقيدا لذلك النائب صاحب الفضل والجميل.
ولكن كيف نخرج من هذه الدائرة المجوفة التي أصبحنا ندور فيها بلا كلل حتى اندمجنا في تفاصيلها دون تفكير؟ الحل النظري سهل، إذ يكفي أن نطالب بحكومة قوية تفرض هيبة القانون وتعيد الثقة بمؤسسات الدولة من خلال وضع الرجل المناسب في المكان المناسب وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب على الجميع، ولكن هذا يتطلب وجود أعضاء منصفين في مجلس الأمة تكون مفاهيم المصلحة العامة لديهم أولى من المصالح الخاصة والفردية لهذا الناخب أو ذاك، وهو أمر غير ممكن في هذه الظروف لأن المواطن الذي ينتخب هؤلاء النواب لا يمتلك الوعي السياسي الكافي ولا الفهم المطلوب لتحقيق هذه المعادلة، وإنما هو على استعداد أن يعطي صوته لأقرب مرشح من حيث صلة القرابة أو للمرشح القادر على إنجاز المعاملات بشكل أسرع وأفضل، فأغلب الناخبين على استعداد للتصويت لمرشح ينجز معاملاتهم الخاصة اليوم حتى وإن كان على حساب المصلحة العامة على المدى البعيد، ببساطة لأنهم أنانيون ولا يعون أنهم جزء من هذا الصالح العام.