محمد الخالدي
أصبحت حياتنا روتينا مملا وتكرارا مزعجا لأحداث مأساوية نتابعها كل يوم وكأنها جزء من كياننا أو حقيقة لابد من تقبلها، نفتح التلفزيون ونتابع ما وصلت اليه أعداد القتلى في غزة؟ وكم انفجارا حصل اليوم في العراق؟ وعدد من ماتوا في أفغانستان؟ ومن غرق من سفن المهاجرين؟ وعدد الضحايا في ميانمار وكم مشردا في الهند وكم لاجئا في لندن؟ وكم.. وكم.
أصبحنا ننظر لكل تلك المآسي وكأنها شيء عادي جدا في حياتنا اليومية، نفتح الصحف ونقرأ كل يوم أخبار بشر يقتلون ويسحقون ويشردون ويجوعون ويهجرون وكأننا نتابع نتيجة مباراة أو مؤشرا للبورصة، سلسلة أرقام تطوف أمامنا دون أن يستوقفنا أنها تتحدث عن «بشر».
مؤلم أن يختزل «الإنسان» هذا الكائن العظيم في خلقه وتكوينه وقيمته في «رقم» على شاشات التلفاز أو صفحات الجرائد، أن يتحول إلى مجرد «رقم» في حسابات التجار، ومجرد «رقم» في سجلات الدولة، ومجرد «رقم» في دليل الهاتف، ومن يبالي لوجود «رقم» بسيط في حياتنا ومن يهتم لزوال «صفر على الشمال» من سلسلة الأرقام «المهمة» في سجلاتنا؟
عالم مجنون، نعيش على كوكب تشكل المياه ثلثي مساحة سطحه، ولو صرفت على تحلية مياه بحر واحد من بحاره تكلفة حرب واحدة لكانت كافية لتلبية احتياجات كل البشر والحيوانات والنباتات في كل جزء من أجزاء هذه الأرض، ومع هذا نختار أن نتصارع ونقتل بعضنا بعضا ونصرف المليارات للاستحواذ على منابع المياه الحلوة، ترى هل يستحق فعلا هذا الصراع على المياه كل تلك الحروب وكل تلك الدماء والضحايا والآلام وكل تلك «الأرقام» المهولة التي فقدتها البشرية في صراع الإنسان المجنون هذا، هل تستحق الأهداف التي يضعها قلة من المهووسين بالسلطة كل تلك التضحيات والمآسي التي يكابدها البشر على مر التاريخ؟
تشكل العواصف 70% من حجم الكوارث الطبيعية سنويا، بينما تشكل الزلازل 18% منها، و6% فيضانات و6% براكين وحرائق غابات، بلغت حصيلة الكوارث الطبيعية لعام 2008 فقط 53 ألف قتيل عبر العالم، وهناك 3 ملايين شخص يموتون بسبب الدرن كل عام، 8 ملايين شخص في أثيوبيا و3 ملايين في كينيا ومليون في الصومال و376 ألف في إريتيريا و200 ألف في أوغندا و100 ألف في جيبوتي و75 ألف شخص في السودان كلهم مهددون بـ «الموت جوعا» خلال هذا العام.
كم شخصا سيموت بسبب التدخين؟ وكم سيموت بسبب حوادث السيارات؟ وكم سيموت بسبب الحروب هذا العام؟ «رقم».. فنحن مجرد «رقم» يراقب ويتابع «رقما».