محمد الخالدي
انتهى الإمام من خطبته العصماء، ثم رفع يديه ورفع معه مئات المصلين أيديهم وبدأوا جميعهم بالدعاء بصوت واحد «اللهم العن اليهود والنصارى، اللهم احرق اليهود والنصارى، اللهم اقتلهم ويتم أطفالهم وشرد نساءهم و و و».
هكذا بكل «تقوى وورع» نشتم ونسب من سماهم الله عز وجل بـ «أهل الكتاب» وأباح لنا الزواج منهم ونحن نعلم علم اليقين أن فيهم سواء من اليهود أو النصارى من هو أكثر إنصافا وأعظم خلقا من آلاف المسلمين المتصهينين والمتأمركين.
أمثل د.عزمي بشارة المناضل العربي المسيحي الذي وقف أمام منزل رجل فلسطيني مسلم وتعرض لإطلاق الرصاص ليمنع هدمه يُسب ويُشتم ويدعى عليه بالقتل والحرق والعذاب؟ أمثل د.إسرائيل شاحاك اليهودي الذي كتب وانتقد الممارسات العنصرية لإسرائيل يُسب ويُشتم؟ أمثل يهوشواع ليبوفيتس اليهودي الذي فضح الجرائم الإسرائيلية ضد الفلسطينيين يُسب ويُشتم؟ أمثل آلاف اليهود والمسيحيين المنصفين الذين يخرجون كل يوم في مظاهرات ضد حكومات بلدانهم في مختلف أنحاء العالم ويتعرضون بسبب ذلك لأضرار بالغة ومع ذلك يصرون على مواقفهم الإنسانية والدفاع عن المستضعفين من المسلمين في فلسطين وغيرها يُسب ويُشتم وترفع الأيادي المتوضئة كل جمعة للدعاء عليهم بالفناء والحرق وتيتيم الأطفال؟ هل الإسلام يأمركم بذلك يا أئمة المساجد؟ هل يعقل أن يوجد دين (أي دين) يأمر بالشتم والسباب للتقرب إلى الله عز وجل؟ وهل الدين إلا الإنصاف؟ يقول الله تعالى: (ما لكم كيف تحكمون)، ثم إذا كان هناك من يجزع لسب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين ـ وهو مصيب بكل تأكيد ـ فكيف يبرر إذن سب أصحاب الديانات الأخرى؟ سب الناس والدعاء على غير الظالمين عادة سيئة، وإذا كان هناك من يستحق السب واللعن فلا أظنه سوى من أدخل هذه العادة الشيطانية ضمن «العبادات» التي صوروا للناس أنها تقربهم إلى الله.
أولم يأمرنا الله عز وجل بقوله في سورة الأنعام(ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم كذلك زينا لكل أمة عملهم ثم إلى ربهم مرجعهم فينبئهم بما كانوا يعملون)، وهل في سيرة رسولنا الكريم عليه أفضل الصلاة والسلام كلمة بذيئة قالها في حياته كلها وهو قدوتنا ومعلمنا؟ فمن أين جئتم بهذه الأدعية التي تسبون فيها الناس ودون تمييز بين ظالم ومظلوم وبين مجرم ومنصف حتى أصبحنا أمة السب والشتم بلا منازع؟