محمد الخالدي
كانت الفترة الماضية من أكثر الفترات المظلمة في تاريخ الكويت، جمود غريب أصاب الكويت حد الشلل، واستهتار عجيب بمصالح البلاد والعباد من قبل السلطتين على حد سواء، صراع شخصي لم تكن مصلحة الكويت تشكل فيه أي أهمية عند كلا الطرفين، استغلت فيه مآسي الناس ومصائبهم للضرب «تحت الحزام» وبكل قوة، بل وحتى الدين نفسه لم يسلم من سوء الاستغلال في ذلك الصراع الشخصاني «غير الشريف»، فكان الهدف بكل وضوح ومرارة القضاء على أشخاص بعينهم حتى وإن كان الثمن مصلحة الكويت وأهلها وتاريخ طويل ومشرف من التضحيات والمكتسبات الحضارية.
بضعة أشخاص استطاعوا مع الأسف الشديد أن يفسدوا كثيرا من الناس، وأن يقضوا على كثير من القيم الأخلاقية وأن يوقفوا عجلة التنمية والبناء ويزجوا بالبلاد كلها في دهاليز الجدل العقيم والاقتتال الحقير على «لا شيء» سوى العناد والمكابرة والتمادي في الغي.
وعندما نتأمل تلك الفترة بكل ما فيها من مساوئ فإننا لا نكاد نرى سوى حقيقة واحدة تتعلق بنا نحن المواطنين، وهي مسؤوليتنا في اختيار أعضاء مجلس الأمة، وربما يكون مثل هذا الحديث قاسيا ومؤلما للكثيرين ولكنه ألم الحقيقة التي لا مفر منها إذا كنا نريد حقا الخير لبلادنا ولأنفسنا، فنحن جميعا شركاء في صنع هذا الواقع المؤلم.
مسؤولية الحكومة تحملها سمو الشيخ ناصر المحمد أكثر من مرة من خلال تقديم الاستقالة، أما مسؤوليتنا نحن فلابد أن نعترف بها أولا من باب الإنصاف قبل كل شيء، فإن كانت الحكومة سببا رئيسيا من أسباب الصراع الذي أدخل البلاد في ذلك النفق المظلم، فإن بعض أعضاء مجلس الأمة هم أيضا كانوا سببا آخر، لقد كانت الحكومة «حطبا» وبعض النواب كانوا «البنزين» فلا تستغربوا حدوث كل تلك الحرائق بعد ذلك!
أتابع منذ عدة سنوات جهود د.رشا الصباح في تطوير وزارة التعليم العالي وحرصها الكبير على جودة التعليم الأكاديمي، ومع هذا تكافأ هذه المرأة بكل جحود «بالتهميش»، وأتابع منذ سنوات جهود شخصيات وطنية ذات كفاءة علمية كبيرة من أمثال د.معصومة المبارك ود.رولا دشتي والمحامية نجلاء النقي ومحمد أبو الحسن مستشار صاحب السمو الأمير وغيرهم الكثير الكثير من الأسماء والشخصيات التي تفخر بهم الكويت، ومع ذلك يستغرب المرء من هذا «التهميش» الغريب لهذه العقول والطاقات الوطنية النزيهة.
الكويت تزخر بعقول نيرة في مختلف المجالات، شخصيات مستقلة وغير محسوبة على تيار أو حزب سياسي لا يهتم سوى بمكاسب شخصية ضيقة على حساب الوطن، شخصيات وطنية لا تفتخر سوى بانتمائها للكويت ولا تستند إلا على الكفاءة والمؤهلات العلمية العالية، ومع ذلك كلما نظرنا في مواقع الدولة ومؤسساتها لا نرى أيا من هذه الكفاءات، وإنما نرى فقط ابن هذه القبيلة وابن تلك الطائفة وابن ذلك الحزب وابن تلك الحركة أو التيار السياسي، فأي جحود هذا وأي ظلم يرتكب بحق الوطن وأبنائه؟!
أما آن الأوان أن نعيد التفكير في اختياراتنا، سواء على مستوى الحكومة أو النواب؟!