محمد الخالدي
أتصور أن المشكلة الحقيقية التي تعاني منها الكويت اليوم هي مشكلة اجتماعية أكثر منها سياسية، على الرغم من أن الصراع السياسي هو الموضوع الذي يحظى بالتركيز الإعلامي أكثر من غيره.
فنحن لا نعاني من مشكلة في النظام السياسي على الإطلاق، نظامنا السياسي مستقر وعلى درجة كبيرة من التطور والرقي ودستورنا يتمتع بدرجة كبيرة من الضمانات الأساسية واحترام الحقوق والعلاقة بين الحاكم والمحكوم واضحة ومحل تقدير من قبل الجميع.
المشكلة إذن ليست في النظام السياسي كنظام (بمعنى القانون)، إنما في النظرة إلى هذا النظام والتعامل وفقا لمعاييره، وهذه مسألة اجتماعية صرفة.
بات واضحا أن الأمر بدأ ينتقل من «اختلاف» في وجهات النظر حول كيفية إدارة الدولة (وهنا نكون في مجال السياسة)، إلى «صراع» على مفهوم الولاء وهل هو للدولة أم للقبيلة أم للعائلة أم للطائفة (وهنا ندخل في مجال الاجتماع).
لذلك، فمن الطبيعي أن يتحول الخطاب إلى مهرجان سخيف من تبادل التهم بعدم الولاء للكويت وازدواج الجنسية والتشكيك في الانتماء الوطني بل وحتى التشكيك في تاريخ من رحل من أهل الكويت وإنكار مساهماتهم في بناء الدولة (اجتماع)، بدلا من أن يكون الخطاب حول البرامج السياسية وخطط التنمية ورؤية الدولة للتعليم والخدمات الصحية وغيرها (سياسة).
أصبحت مشاهد المرشحين على شاشات التلفزيون وهم يخرجون المصحف الشريف ويطالبون بعضهم بأن يقسموا بالله العظيم أن ولاءهم للكويت وأنهم لا يحملون أي جنسية أخرى أمرا مألوفا، وربما نجد أنفسنا بعد ذلك مضطرين إلى أن يؤدي كل مواطن منا القسم ذاته كل يوم لنثبت وطنيتنا وولاءنا لبلدنا، وهي نتيجة طبيعية إذا ما استمر هذا المهرجان الخطابي السخيف بهذه الصورة السخيفة.
والسؤال المهم الذي يتبادر هنا هو: لماذا وصلت الأمور إلى هذا الحد؟ والجواب في ظني يكمن في تراجع كثير من القيم الأخلاقية في المجتمع في ظل غياب الدور الفاعل لمؤسسات التعليم ومؤسسات المجتمع المدني، فضلا عن توافر الأرضية الخصبة لظهور مثل هذه المشكلات الاجتماعية وأولها موضوع الجنسية ودرجاتها التي تميز بين المواطنين فتجعل من هذا كويتيا «أصليا ودرجة أولى» وذاك كويتيا «غير أصلي ودرجة ثانية».
فإذا كانت الدولة هي التي تمارس التمييز بين المواطنين (والأمر لا يتعلق فقط بتصنيفات ومسميات للجنسية بقدر ما يتعلق بتبعات ذلك التمييز واقعيا)، فكيف نتوقع الوصول إلى حالة من الاستقرار الاجتماعي بين الناس؟
ما تعيشه الكويت اليوم هو مقدمة لصراع اجتماعي (طائفي، قبلي، عائلي) كبير ربما لا يدرك كثير ممن يمارسونه سواء عن وعي أو بغير وعي وإدراك خطورته والنتائج الكارثية التي قد تؤدي إليه، فالصراع الاجتماعي إذا انطلق سيكون من الصعب جدا إيقافه، وعلينا أن ننتبه لخطورة الأمر قبل فوات الأوان وقبل أن تنتقل الأمور إلى المرحلة التالية من الصراع (وأعني العنف)!