محمد الخالدي
قديما كان سقراط يقول لمن يقابله ويراه «تكلم حتى أراك»، فعندما يتحدث الشخص فهو لا يتواصل مع الآخرين فحسب وإنما هو يعطي عن نفسه صورة ويكون عندهم انطباع خاص حول «شخصيته» وأفكاره وتصوراته ومستواه الفكري والأخلاقي.
ولكن هذا البعد الإنساني الذي يتشكل من خلال الحديث بين الناس كثيرا ما يخدعنا، خاصة في عالمنا العربي حيث الازدواجية في شخصية الإنسان العربي أصبحت أمرا مألوفا بل ومقبولا إلى درجة كبيرة بين الناس (وبشكل أكبر عند السياسيين).
فأنت لا تستطيع أن تفهم حقيقة الناس من خلال حديثهم ولا تستطيع أن تحدد ملامح شخصياتهم وانتماءاتهم الإيديولوجية ولا تستطيع أن تعرف حقيقة مواقفهم تجاه القضايا العامة حتى وإن تحدثوا وصرحوا وأعلنوا عن تبني اتجاهات فكرية ومواقف محددة، ببساطة لأنهم يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يقولون ويظهرون غير ما يبطنون ويبطنون غير ما يظهرون.
كثيرا ما نلتقي أشخاصا تكون لدينا عنهم صورة مسبقة تتكون عندنا من خلال مقالاتهم أو أحادثيهم في وسائل الإعلام المختلفة أو حتى من خلال الحوار المباشر، وهي صورة تكاد تكون مثالية لفرط ما في أحاديثهم من أفكار كبيرة وانتقادات تعكس موقفا إنسانيا عظيما وتأكيدا على قيم أخلاقية نبيلة، غير أن هذه الصورة الجميلة سرعان ما يصيبها شيء من الغموض والتشويش عندما نتأمل في تصرفاتهم التي تناقض تماما تلك الهالة الرومانسية الحالمة والجميلة التي رسموها لأنفسهم عبر «الكلام»، لدرجة تجعلنا ننظر إلى أنفسنا باستغراب ونشعر معها أننا سذج نصدق كل ما نسمعه بحسن نية.
المشكلة أن هذه الصفة الغريبة وأعني ازدواجية الشخصية لا نراها إلا في الإنسان العربي تقريبا، فعندما نتعامل مع أي شخص غربي لا نشعر في قرارة أنفسنا أنه يخدعنا أو أنه يخفي قناعات أخرى غير التي يعبر بها في حديثه أو تصرفاته، فهو عندما يكون ليبراليا يتصرف كليبرالي، وعندما يدافع عن الديموقراطية فهو يمارسها أيضا، وعندما ينادي بحقوق الفقراء والمستضعفين فهو يعيش بينهم ويشعر بهمومهم وآلامهم، أما في عالمنا العربي فالأمر مختلف تماما، لأنك ببساطة قد تلتقي كل يوم بشخص «يدعي» أنه ديموقراطي ولكنه لا يحترم حتى الرأي الآخر، بشخص «يدعي» أنه من دعاة حقوق الإنسان ولكنه يزدري الناس ويحمل في شرايينه دم أزرق، بشخص «يدعي» أنه متدين ولكنه يمارس كل المحرمات
عذرا سقراط فمقولتك أربكتني، جعلتني لا أفهم الناس من حولي بوضوح.
ربما لأنك كنت تتحدث عن إنسان آخر غير الذي نعرفه في عالمنا المتناقض، ذلك الإنسان الذي يحمل في جيبه ألف قناع وقناع.