محمد الخالدي
تناولنا في مقال سابق مدخل تيرمينولوجي لمفهوم الليبرالية، ونتحدث في هذا المقال حول الأيديولوجيا ذاتها.
إن القيمة الأساسية التي تمثل الليبرالية أو تقوم عليها هي «الحرية الفردية»، والمعيار الأساسي لهذه الأيديولوجيا هو «المنفعة» وهذا ما نجده لدى فلاسفة الليبرالية الكلاسيكيين مثل بنتام ومل ولوك، ونذكّر هنا بالمبدأ الشهير الذي قاله بنتام مثلا: «تحقيق أكبر قدر من المنفعة مقابل أقل قدر من الألم»، وهذا المبدأ الذي نادى به بنتام في فلسفة الأخلاق، ما برح أن أصبح شعارا لليبرالية.
تحولت الليبرالية بعد ذلك من الفردية المتطرفة إلى الفردية المعتدلة شيئا فشيئا، حيث بدأت تسمح بتدخل الجماعات والدولة وقد ساهم في هذه النقلة النوعية الأزمة الاقتصادية الكبرى التي أصابت الولايات المتحدة الأميركية عقب انهيار بورصة نيويورك وما تلاها من أحداث مأساوية من بطالة وجوع وفقر في الأعوام 1923–1929 م والتي انتهت بإعلان الرئيس الأميركي السابق «روزفلت» السياسة الجديدة التي سميت بالعهد الجديد والتي تدعو إلى تبني الدولة للضمان الاجتماعي للأفراد.
والليبرالية الحديثة تقوم على مجموعة من المقومات منها على سبيل المثال: مبدأ تكافؤ الفرص، وهو مبدأ عادل ومهم ولكنه ليس حكرا على الليبرالية وحدها، فمن الممكن أن ننادي بمبدأ تكافؤ الفرص دون أن نكون بالضرورة ليبراليين، مبدأ الإصلاح «أي معالجة القضايا عن طريق الإصلاح وليس الثورة كما هو الحال مع الأيديولوجيا الماركسية»، وكذلك اعتماد البرلمانية كمنهج للوصول إلى الحكم، كما أخذت هذه الأيديولوجيا بفكرة فلاسفة العقد الاجتماعي «لوك ومونتسكيو وروسو» الداعية إلى فصل السلطات التشريعية، التنفيذية، والقضائية.
لقد تشكلت الأيديولوجيا الليبرالية من خلال أفكار ونظريات بعض الفلاسفة وعلى وجه الخصوص الفلاسفة التجريبيون وأصحاب مذهب المنفعة في الأخلاق نلاحظ أن المذهب التجريبي يقوم على إنكار كل ما لا يمكن فحصه والتحقق منه بالتجربة، ومذهب المنفعة يبيح كل ما من شأنه تحقيق المنفعة الفردية أولا ثم الجماعية ثانيا مادامت تؤدي في النهاية إلى منفعة الفرد أيضا» وتجسدت من خلال إعلان الثورة الأميركية عام 1776 وإعلان الثورة الفرنسية عام 1789 وإعلان حقوق الإنسان عام 1948 والإعلان العالمي للأمم المتحدة عام 1949 وما تلا ذلك من معاهدات وظهور للدساتير.
والمحصلة أن الليبرالية نشأت وترعرعت في أحضان الحضارة الغربية منذ بدايتها وحتى يومنا هذا، ولهذا لا يمكن أن نفهم الليبرالية إلا من خلال وضعها في إطارها التاريخي الصحيح ضمن مفهوم الحضارة الغربية بشكل عام، ويمكن القول ان توجه الحضارة الغربية منذ بدايتها فيما يسمى «بعصر النهضة الأوربية» كان يتجه بالضرورة نحو إنتاج الأيديولوجيا الليبرالية، ولكن السؤال هل الحضارة العربية أو الإسلامية ينطبق عليها ما ينطبق على الحضارة الغربية؟!