محمد الخالدي
على الرغم من وجود شبهات مخالفة دستورية في استجواب النائب مسلم البراك لوزير الداخلية الشيخ جابر الخالد، إلا أن الأجواء السياسية خلال هذه الأيام لم تحمل أي «غبار سياسي» أو احتقان كما حصل في الأعوام الثلاثة الماضية، وهذا عائد بالتأكيد إلى تخلي الحكومة إلى حد ما عن أسلوب التهرب من المساءلة السياسية وقبولها للاستجواب كونه حقا دستوريا ودورا أساسيا من أدوار البرلمان، وهذا يؤكد بكل وضوح أن الأزمات السياسية التي شهدتها الكويت خلال الأعوام الثلاثة الماضية والتي أسفرت عن حل مجلس الأمة 3 مرات قبل إتمام دورته الدستورية بل قبل مضي عام واحد وكذلك استقالة الحكومة 6 مرات متتالية على فترات متقاربة، أصبح واضحا إذن أن الخلل وسبب التأزيم في الأساس هو في ممارسة الحكومة التي كانت ترتجف كلما ذكر أحد النواب كلمة استجواب حتى أصبح الاستجواب أداة ترهيب وتخويف بدلا من أن تكون أداة رقابة ومحاسبة.
فالحكومة هي المسؤولة عن هذا التدهور وهي التي حولت الاستجواب إلى عنصر تأزيم من خلال تهربها من المساءلة وإدخال البلد بأكمله في دوامة صراع ومفاوضات فوق الطاولة وتحت الطاولة بلا معنى مع أن الاستجواب في النهاية أمر عادي جدا ولا يمثل أكثر من «طلب إجابات» عن أسئلة محددة لمواضيع متفق عليها مسبقا.
ثم إن الحكومة تملك الأغلبية الساحقة في المجلس ولا يوجد ما يدعو إلى الخوف من طلب طرح الثقة في حال تقدم به عدد من النواب، حكومتنا كانت أشبه بطفل «خايف من إبرة» وقد سئم المواطنون من إقناع هذا الطفل بأن المسألة مجرد «شكة دبوس وما تخوف» ولا داعي لكل هذا الهلع و«البكاء» ولكن بلا فائدة.
آن الأوان للحكومة كي تقوي عزيمتها وتستعيد هيبتها قليلا وتواجه الاستجوابات بكل ثقة، فالمسألة عادية جدا بل هي فرصة مناسبة لكسر حالة الارتباك والرهبة أو «الفوبيا» التي أصابت الحكومة من الاستجواب، ويكفي أن نذكر الحكومة ـ إن كانت ناسية ـ باستجواب النائب السابق د.سعد الشريع لوزيرة التربية ووزيرة التعليم العالي السابقة نورية الصبيح والذي مر مرور الكرام على الرغم من حجم الأخطاء التي تمت مساءلة الوزيرة عنها.
كل ما نتمناه أن تتقبل الحكومة مبدأ الاستجواب وتعمل على مواجهته بالأدلة والبراهين فإن كانت هناك أخطاء حقا فلا ضرر من الاعتراف بها ومحاسبة المتسببين والمقصرين فيها والمضي للأمام لنتجاوز حالة الصراع المستمرة بلا مبرر، إذ ليس من المعقول أو المقبول أن يستمر البلد بهذا الجمود والفوضى بسبب خوف الحكومة من مواجهة الاستجوابات، يكفينا ما حدث وعلى الحكومة أن تفهم أن الشعب الكويتي لن يقبل بوجود برلمان منزوع الصلاحية أو نواب غير قادرين على محاسبة الحكومة، وهي رسالة واضحة عبر عنها الشعب الكويتي في جميع الانتخابات وبالتالي فالكرة اليوم في ملعب الحكومة وهي وحدها المسؤولة عن نزع فتيل الأزمة وتجاوز حالة الجمود من خلال مواجهة الاستجواب والرد على ما فيه من أسئلة بكل شفافية.