محمد الخالدي
كنت أتابع قناتي المفضلة «دويتشه فيلله» فشاهدت كيف يتعامل الألمان مع المشكلة العويصة التي تدور حاليا بين رئيس بلدية مدينة ميونيخ الجميلة والعازفين الهواة الذين يمارسون هوايتهم في الطرقات الرئيسية والأسواق، ومع نهاية البرنامج اكتشفت أن الألمان شعب «فاضي»، عكس الشعب الكويتي «المليان» بالقضايا الكبيرة والمثقل بالهموم التي تشغل الجميع بلا استثناء حتى الأطفال في بطون أمهاتهم.
تصوروا أن الألمان المساكين مشغولون بمسألة مثل هذه بعد أن أصدر رئيس بلدية ميونيخ قرارا يمنع بموجبه العازفين الهواة من ممارسة هوايتهم في الأسواق والأماكن السياحية لأنه يعتقد أنهم يشوهون الصورة الجميلة لهذه المدينة الرائعة من خلال عزفهم غير المنظم والعشوائي الذي قد يزعج السياح.
الأغرب من ذلك أن هؤلاء العازفين الهواة لم يتجهوا إلى البرلمان ولم يحرضوا نوابهم على رئيس البلدية ولم يكفروه بالتأكيد، مع أنه تسبب في قطع أرزاقهم من «الخردة» التي يحصلون عليها من كرم السياح، وإنما توجه بعضهم مباشرة إلى رئيس البلدية، وصدق أو لا تصدق، الرجل كان موجودا في مكتبه ولم تقل لهم السكرتيرة إنه في اجتماع، ثم تحدثوا إليه بكل هدوء وأبلغوه بأنهم لا يقصدون إزعاج السياح ولا يفرضون على أحد أن يدفع لهم شيئا، فلماذا يحرمهم من ممارسة هوايتهم «وأكل عيشهم»؟ فما كان من الرجل إلا أن تجاوب معهم وقرر أن يدخلهم في دورات لتعليم أصول الموسيقى الراقية على أيدي أساتذة متخصصين وعلى حساب البلدية، تخيلوا بهذه البساطة خرج الجميع وهم سعداء دون أن تستقيل الحكومة أو يحل البرلمان.
ألم أقل لكم إنهم شعب «فاضي» ومسكين، فلو كانت عندهم مشاكل حقيقية في نظام تعليمي يتغير كل نصف ساعة، ومشاكل حقيقية في نظام أمني يتحول إلى نظام بوليسي قمعي يراقب الناس ويرصد تحركاتهم ويتنصت على أحاديثهم ويراقب حتى نزواتهم في تصفح الانترنت، ولو كانت عندهم مشاكل حقيقية بين سكان مقاطعة باڤاريا وسكان هامبورغ أو برلين أو هانوڤر، ولو كان عندهم 7 أنواع للجنسية الألمانية تصنف المواطنين إلى فئات وطبقات وتقسمهم إلى أصحاب «حظوة» ومواطنين من الدرجة الثانية والثالثة والرابعة، ولو كانت الكهرباء تنقطع كل يوم عن بيوت الألمان المساكين ولو كانت فيها جامعة واحدة منذ 60 عاما وأولادهم يتشردون هنا وهناك لتحسين أوضاعهم ويتلاعب بمستقبلهم «تصريح» هنا وتصريح هناك ولو كان في ألمانيا 2 مليون من العمالة الهامشية تملأ بلادهم بالجرائم فهل تتوقعون أن تعرض قناة «دويتشه فيلله» رجلا فقيرا يحمل جيتارا قديما وهو يناقش رئيس البلدية حول نوع الموسيقى التي يجب أن تعزف في أسواق ميونيخ وطرقاتها الجميلة؟!