الموضوع الأساسي في فلسفة الجمال هو محاولة الإجابة عن التساؤلات: «ما الجمال، هل خصائص الشيء الجميل كامنة فيه أم في المتلقي، ما العلاقة بين الجمال والحق والخير، هل الجميل خير دائما؟..الخ ». في تاريخ الفلسفة الكثير من النظريات التي حاولت الإجابة عن تلك التساؤلات وتقديم تفسير عقلي لمفهوم الجمال، أهمها الاتجاه المثالي الذي بدأ مع أفلاطون حين اعتبر الجمال من المكونات الأصيلة في الأشياء، الذات (أي المتلقي) يدرك تلك المكونات على أنها جميلة لأنها هي بذاتها جميلة. وتعد نظرية الفيلسوف الألماني العظيم امانويل كانط أهم النظريات المثالية في فلسفة الجمال والفن.
يقابل الاتجاه المثالي اتجاه آخر واقعي، يرى أن الأشياء لا تحمل أي خصائص في ذاتها، وأن ما نقول عنه جميل أو قبيح هو أفكار وتصورات عند الأشخاص، وهي معايير تختلف من مجتمع لمجتمع، ولذلك تجد الفتيات في الصين يرتدين أحذية حديدية منذ الطفولة لتقييد نمو أقدامهن، في حين ترتدي نساء بعض المدن الأفريقية حلقات متعددة من المعدن الثقيل على رقابهن لإعطائها المزيد من الطول، ذلك أن معايير جمال المرأة في الصين ترتبط بصغر حجم أقدام المرأة، في حين أن معايير الجمال في أفريقيا ترتبط بطول رقبتها.
>>>
بالنسبة لي.. أجد النظرية الماركسية في الفن والجمال هي الأقرب للصواب، وخلاصة رأي ماركس أن الفن ما هو إلا انعكاس للواقع، ولو تأملنا في واقع عالمنا اليوم، ثم تأملنا في نوعية الأعمال الفنية الأكثر نجاحا وانتشارا فسنفهم هذا جيدا. ما هي نوعية الأفلام السينمائية التي تكتسح شبابيك التذاكر وتهيمن على قوائم أعلى الإيرادات؟ انها أفلام الحروب. والأمر كذلك مع صناديق الألعاب الإلكترونية لكل الأعمار، فأكثر الألعاب مبيعا وانتشارا هي ألعاب الحروب والدبابات والقناصة والطيران الحربي.. الخ. بل وصل الأمر حتى إلى الإعلانات التجارية لمنتجات يفترض أنه لا علاقة لها بالحروب لا من قريب ولا من بعيد، مثل الشامبو أو البطاطس المقرمشة بالفلفل الحار.. فأصبحت تقدم لنا على يد قناص أو جندي يقصف ويفجر ويدمر ويصيب الهدف ثم يسرح شعره الناعم أو يأكل قطعة بطاطس شيبسي حارة.
>>>
بتأثير الحروب وقنوات الأخبار التي تظهر لنا على مدار الساعة لحظات الانفجارات والقصف والإعدامات الميدانية والتصفية و«الدعس» وغيرها، باتت حياتنا بائسة نزعت عنها الرحمة والشفقة، البعض يفرح لمنظر إعدامات جماعية بطريقة بشعة، أو تعذيب لضحايا أبرياء بصورة لا تفعلها أشد الحيوانات المفترسة، ومع هذا يفرح بها لأن الضحية ينتمي لطائفة أخرى.. ويكفي قراءة بعض التعليقات تحت مقاطع الفيديو الوحشية على اليوتيوب لإدراك حجم المأساة والانحطاط الذي وصلت إليه البشرية اليوم.
>>>
تأملوا في الشعر النبطي عندنا أيضا.. ستلاحظون بروز روح التمرد والثورة على المألوف والسائد وغياب مفردات العصر الرومانتيكي الجميلة الوادعة والهادئة، واستبدالها بمفردات الحروب والانقلابات، ستجدون البنادق والضرب والسحق والتفجير.. فهذه هي معايير الجمال التي خلفتها الحروب العبثية.
لم تعد العيون جميلة لأنها تشبه القمر وقت اكتماله، وإنما التي تشبه فوهة مدفع عملاق. ولم تعد الخدود جميلة لأنها بلون الشفق أو الغروب، وإنما التي تشبه لون النار لحظة الانفجار.. شعراء هذا الزمن يقولون بلغة تحد وتمرد وعنف وقتال: «ألعن أبو البرقع، يخرب بيتك، طولها صاروخ، إما تجي وإلا أفجر الكون».. فأي جمال بائس هذا؟!
[email protected]