منذ بداية القرن التاسع عشر ولغاية نهاية الحرب العالمية الأولى عام 1918 كانت العملة المتداولة عالميا هي الجنيه الاسترليني، بسبب توسع بريطانيا العظمى الجغرافي آنذاك، ولوجود مصرف مركزي لديها. كانت العملات كلها مدعومة بغطاء من الذهب، وكان الجنيه الاسترليني الواحد يعادل 7.9 غرامات، يليه الدولار الأميركي 1.5 غرام، يليه الروبل الروسي 744 ملليغراما، ثم المارك الألماني 398 ملليغراما، ثم الفرنك الفرنسي 322 ملليغراما من الذهب.
***
إلى غاية عام 1913 لم يكن لأميركا مصرف مركزي، ولكن مع تعاظم دورها السياسي والعسكري خاصة في الحرب العالمية الثانية، بدأت بفرض عملتها على العالم. وفي عام 1944 عندما بدأت محادثات «بريتون وودز» حول الاتفاق على نظام نقدي عالمي جديد، فرضت الولايات المتحدة رؤيتها وتم اعتماد الدولار الأميركي بإشراف المصرف المركزي الأميركي كعملة أساسية للتبادل التجاري بين الدول، لكن إلى هنا كان الذهب لايزال هو الغطاء الداعم للعملات.
هذا الوضع ـ هيمنة الدولار الأميركي ـ لم يعجب فرنسا وبريطانيا، فقاما منذ عام 1968 بعمليات تبديل واسعة للعملة بهدف افراغ الخزينة الأميركية من الذهب، وبالفعل تسببت تلك العمليات في أضرار بالغة بالاقتصاد الأميركي، ما دفع الرئيس نيكسون آنذاك عام 1971 لإصدار قرار يقضي بإلغاء تبديل الدولار بالذهب، ومنذ ذلك الحين تحول العالم للتعامل بالدولار دون غطاء من الذهب، وإنما بدعم من سندات حكومية فقط، وكان هذا بداية تحول الدولار من عملة قوية تستند لسلعة مادية حقيقية (الذهب) إلى عملة ورقية بلا قيمة حقيقية.. وبدأت معها رحلة المضاربات وألوان شتى من التعاملات الورقية الوهمية التي أدخلت أميركا والعالم معها في دوامة الأزمات الاقتصادية المدمرة.
***
تشير المعلومات التي تم جمعها عام 2008 إلى أن المال الحقيقي الموجود في العالم كله يبلغ 4.7% من المال المستخدم، أي أن 95.3% من المال المستخدم هو وهمي ومجرد أرقام على شاشات الكمبيوتر.
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن الدولار الأميركي (الورقي) تم تصميمه بطريقة تؤدي لإفلاسه بين فترة وأخرى (دورة اقتصادية)، ذلك أنه عملة ورقية، فكلما تم طباعة أوراق نقدية جديدة يؤدي ذلك لانخفاض قيمتها في السوق (وهو ما يسمى بالتضخم)، ويستمر الوضع إلى أن يبلغ التضخم درجة الانفجار، فتتم التسويات من خلال إسقاط القروض أو فوائدها والعودة لنقطة الصفر.. لكن من الذي يحصل على القروض الكبرى؟ انهم كبار «الرأسمالية الجشعة»، ومن الذي يدفع؟ انهم بلا شك أنا وأنت من البسطاء الذين يشكلون 99% من البشر
***
هذا ليس تنظيرا وافتراضات ـ أو افتراءات ـ هذا هو الواقع فعلا، ولذلك بدأت كثير من الدول تتجه لما يسمى بالاقتصاد الإسلامي، والتي تعتبر ماليزيا ومؤخرا الإمارات الشقيقة من الدول الرائدة فيه، لأن الاقتصاد الإسلامي لا يعترف بالعملة الورقية، كما ليست له عملة محددة هي المفضلة، وإنما الأمر متروك لتوافق الناس على أشياء مادية ذات قيمة حقيقية، قد يكون الذهب أو الفضة أو الملح أو حتى القواقع البحرية.. لا يهم مادام أن لها قيمة فعلية.
***
بالمناسبة.. الولايات المتحدة الأميركية دولة مفلسة، بلغ حجم الدين العام حوالي 20 ترليون دولار أميركي، ما يعادل 98% من الناتج المحلي. علما بأنه عندما بلغ الدين العام 17 ترليونا، قامت الحكومة بإلغاء آلاف الوظائف وإغلاق مئات المكاتب الفدرالية.
***
في عام 1997 أطلقت ماليزيا عملة «الدينار الإلكتروني» المسنودة بغطاء من الذهب، ومنذ ذلك الحين بلغ عدد المتعاملين بهذه العملة أكثر من 600 ألف وبنمو 10%. هذا هو المستقبل الذي لا مكان فيه للمتأخرين أمثالنا.
[email protected]